نصيب لكل مواطن... في العراق

نصيب لكل مواطن... في العراق

04 ابريل 2017
يراقبون عملية إزالة الألغام (ديميتار ديلكوف/ فرانس برس)
+ الخط -
أتمّ علي جبار عامه الخامس والعشرين وقد عاش 13 عاماً من دون ساقين. يخشى ألّا يجد امرأة في المستقبل تقبل بالزواج منه. فرغم وسامته ووضعه المادي الجيّد، إلّا أنّه لم يجد من تقبل الارتباط به. في خريف عام 2004، انفجر لغم أرضي حين كان مع أصدقائه يبحثون عن كمأة في الصحراء القريبة من الحدود مع إيران في محافظة ميسان جنوب العراق، ما أدى إلى فقدانه ساقيه، في وقت قتل صديقه من جراء الانفجار.

يقول جبار لـ "العربي الجديد" إنّ ما أصابه حوّله إلى شخص آخر. بعدما بترت ساقاه، صار ينشط في مجال التعريف حول مخاطر الألغام والأسلحة وكيفيّة تجنب مخاطرها. ويشير إلى أن "عدم المعرفة أدت إلى حدوث خسائر فادحة، والمعرفة تجنب تلك الخسائر".

وللألغام في العراق قصة طويلة تعود إلى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، نتيجة المعارك بين القوات العراقية والأكراد في شمال العراق، ثم الحرب مع إيران، فحرب الخليج، ثم اجتياح الولايات المتحدة الأميركية العراق، بالإضافة إلى المعارك الحالية ضد تنظيم "الدولة الإسلاميّة" (داعش). خلال هذه المعارك، كانت زراعة الألغام إحدى وسائل القتال، والضحيّة الأولى هي المدنيّون، ويدعي طرفا الصراع أن هدفهم حمايتهم.

وتكشف الإحصائيّات الرسميّة عن وجود ما يزيد عن 25 مليون لغم أرضي في مختلف مدن ومحافظات العراق، وتعد كثيرة عند الحدود الدولية مع إيران، حيث أكثر من 50 في المائة من ألغام البلاد. ولا تقتصر الألغام على البر فقط، إذ يوجد ألغام على شط العرب في البصرة ومياه الخليج العربي، وهو ما يعد موتاً عائماً، وعادة ما تخطف أرواح الصيادين.
يشار إلى أن أكثر من 200 ألف كلم من أراضي العراق تحتوي على ألغام متفرّقة، ما يعني أن نصف مساحة العراق باتت ملغّمة، ويسكنها نحو 27 مليون نسمة.

ويؤكد تقرير وزارة التخطيط العراقية الأخير، والصادر في عام 2016، أن نحو مليون و600 ألف عراقي تضرروا نتيجة الألغام خلال العشرين عاماً الماضية، ونحو 90 في المائة من المساحات المزروعة بالألغام زراعيّة. كذلك، توجد ألغام في محيط حقول النفط الرئيسيّة.
وتشير مؤسّسة الألغام في إقليم كردستان (شمال العراق)، إلى أنّ مساحة الأراضي المليئة بالألغام في إقليم كردستان تقدّر بـ 778 كلم مربعا، وقد جرى تطهير أكثر من 150 كلم مربعا منها حتى الآن، علماً أنّ غالبية مواقع الألغام موزّعة على الحدود مع إيران وتركيا وسورية، ويعود معظمها إلى حقبة الحرب العراقية الإيرانية.

وتعدّ جهود نزع الألغام ضعيفة في ظل انتشارها الكبير، والجهود التي أعلن عنها سابقاً، وتدخل الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى لمساعدة العراق. ويرتبط الأمر باستمرار الحرب في العراق، والفساد المستشري في البلاد، وغيرها.

فؤاد السعداوي فقد قدمه خلال تواجده في أرض زراعيّة أراد شراءها في مدينته واسط (جنوب شرق بغداد). يوضح أحد أقاربه لـ "العربي الجديد" أنه كان يعلم بوجود أماكن خطرة بسبب انتشار الألغام، لكنّ لم يكن ليظن أن الأرض التي أراد شراءها مزروعة بالألغام أيضاً.
إلى ذلك، تشكّل الألغام المزروعة في الأرض خطراً كبيراً، خصوصاً أنّ السيول الموسميّة تجرفها إلى أماكن أخرى، بعضها يعدّ مأهولاً بالسكان، على غرار ما حصل في مناطق في محافظتي واسط وديالى. وحول ذلك، يقول المهندس أيمن الواسطي إنّ "خطورة هذه السيول تكمن في قوّتها، واتجاهها الذي يشمل غالبية مناطق الشريط الحدودي المزروعة بملايين الألغام منذ الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات".

ويبيّن الواسطي لـ "العربي الجديد" أن غالبية هذه الألغام خفيفة الوزن، ما يعني سهولة جرفها بالسيول إلى مسافات بعيدة جداً، إذا ما علمنا أنّ هذه السيول شملت مساحات كبيرة جداً من الأراضي الزراعية والبساتين، ما يعني جرف آلاف الألغام إلى بساتين وأراض زراعية أخرى وطمرها بطبقات خفيفة من الطمي. هنا، تزداد الخطورة بشكل أكبر، وعلى المواطنين توخي الحذر".

إذاً، الألغام والمقذوفات غير المنفلقة، عنوان آخر للموت في العراق، وتشاهد لوحات تحذيرية في مناطق عديدة قريبة من الحدود الإيرانية، فيما تعرف مناطق حُررت حديثاً من سيطرة تنظيم "داعش" في غرب ووسط وشمال البلاد، بأنها خطرة حتى يُعلن خلوها من الألغام والمتفجرات، ليسمح بعودة أهلها إليها.

وخلو العراق من الألغام لن يتحقق خلال أعوام قريبة، ولا حتى بمدى بعيد، بحسب مصدر مطلع، كان عمل مع فرق أجنبية في تطهير مناطق عراقية من الألغام. ويقول المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لـ"العربي الجديد" إن "وجود الفساد الحكومي وداعش يبقي على وجود الألغام بل ويزيدها".
ويوضح: "رفع الألغام يحتاج إلى خبراء أجانب وهذا ما تم اعتماده بعد 2003، وكان مخططاً أن تتدرب كوادر عراقية، وحصل هذا أيضاً، لكن العمل كان يستغل من قبل جهات وشخصيات حكومية. إنهم يساومون ويطلبون حصصاً مالية في مقابل الموافقة على عمل هذه الفرق". يضيف: "هؤلاء السياسيون لا يبالون للناس وما ينالهم من كوارث، هم يطمحون لكسب المزيد من الأموال بمقايضة الفرق التي تأخذ مقابلاً مادياً لقاء تطهير الأراضي". يتابع المصدر، أن "بقاء داعش سبب آخر لتأخير تطهير العراق من المواد المتفجرة، فهؤلاء يزرعون الألغام في كل مكان، وهذا يتطلب جهداً كبيراً لإزالتها".



في السياق، يقول محمد العبيدي وهو خبير في التعامل مع المتفجرات، إن "العراق كان بالإمكان اخلاؤه من الألغام في غضون عامين، لكن وجود تنظيم داعش أخّر تحقيق ذلك". يقول العبيدي في حديثه لـ"العربي الجديد": "لدينا في العراق خبراء على مستوى عال من التدريب. لقد عملت فرق عراقية بإشراف الأمم المتحدة وخبراء دوليين في هذا المجال. الجهود اليوم صارت توجه لمناطق الصراع، حيث تجب إعادة السكان إلى مناطقهم، وهذا يتطلب تطهيرها من الألغام". ويوضح: "ما زالت هناك مناطق غير مطهرة من الألغام بالرغم من تحريرها من سيطرة داعش، كالأنبار(غرب) وصلاح الدين (شمال)".

وكان تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) سيطر على نحو ثلث البلاد، في صيف 2014، ثم حررت القوات العراقية أغلب هذه المناطق، وتدور حالياً معركة مهمة لتحرير الموصل، أهم معاقل التنظيم.

وفي خلال المعارك التي يخوضها، يعتمد تنظيم "داعش" أسلوب التلغيم، ولا يستخدم التلغيم في الأرض فحسب بل يعمد إلى تلغيم الأبنية والأعمدة وغيرها، بحسب ما يؤكده لـ"العربي الجديد" شاكر العيسى، وهو ضابط برتبة نقيب في الجيش العراقي. يضيف أن "الألغام التي يعتمدها داعش خطيرة جداً كونها تستهدف الأشخاص، وتنفجر عند لمسها. علاوة على هذا فإن مكان وجود هذه الألغام يكاد يكون في كل مكان، في بعض المناطق جرى تلغيم صنابير المياه، وقوابس الكهرباء، ومعدات وآليات وسيارات ودراجات، حتى بعض الأشجار كانت مفخخة".

وكانت النائب في البرلمان العراقي عالية نصيف قد فجّرت أخيراً فضيحة فساد جديدة عندما أعلنت عن وجود فساد مالي بقيمة 2 مليار دولار في مؤسسة نزع الألغام العراقية، مؤكدة أن المبلغ أهدر ولم يتم رفع الألغام المستهدفة بهذا المبلغ في جنوب العراق، ولفتت إلى فتح تحقيق موسع بمشاركة "هيئة النزاهة العراقية".

دلالات