إذا الأرض مدوّرة

إذا الأرض مدوّرة

26 ابريل 2017
... رح نرجع نتلاقى (Getty)
+ الخط -

"ولمّا القمر غاب وتغرّب الليل.. راحوا الأحباب كلّ واحد بمَيل.. وإذا الأرض مدوّرة يا حبيبي.. رح نرجع نتلاقى يا حبيبي.. نتلاقى ببيت بفيّة قنطرة.. إذا يا حبيبي الأرض مدوّرة". وتختم السيّدة فيروز بهذه الكلمات التي وُلّفت بألحان مبهجة، مسرحيّة "ناس من ورق" للأخوين رحباني.

ونلتقي.

هل باتت الاحتمالات ضنينة إلى حدّ أنّه ما عاد يُتاح لنا أن نتلاقى إلا في مأتم أو ذكرى وفاة أو واقعة مفجعة؟ هل يمضي الزمن في تحدّينا إلى درجة أنّه ما عاد يبيح لنا أن نتلاقى إلا في الأتراح؟ من الجائز إهمال تهنئة مبتهج أو مغتبط، وبالتالي المشاركة في فرح ما. أمّا في الأتراح، فمن غير الجائز إغفال تقديم واجب العزاء أو الدعم لمكروب أو مغموم. الأعراف الاجتماعيّة تقتضي ذلك. مواساة المحزون واجب موجب.

وتكثر الأتراح من حولنا، ولا سيّما تلك التي يخلّفها الموت.. ذلك الموت الذي لا يتردّد في خطف أحدنا، كأنّما ينبّهنا إلى أنّ الزمن يستعجلنا. ويخطر في البال ذلك المسلسل التلفزيوني الذي شاهدناه صغاراً وقد أفزعنا في أحيان كثيرة، ذلك المسلسل المقتبس من رائعة أغاتا كريستي "عشرة عبيد صغار" أو "ثمّ لم يبقَ أحد". يقضي أحدنا ونسأل: متى يحين دور التالي منّا.. نحن الذين لسنا ناساً من ورق؟

ننظر إلى بعضنا بعضاً. لم نتغيّر، أو ربّما يشبّه لنا أنّنا لم نتغيّر. نحن ما زلنا أنفسنا بسِمات وجوهنا وبألمنا وبانفعالاتنا. لن تُشوّه شعيرات بيضاء برزت في لحية أحدهم، صورته. بالكاد نلحظها، وبالكاد نلحظ تجاعيد حفرت خلال سنوات طوال، وجهاً أنيساً أو آخر. بالكاد نفعل، بينما نخشى في أعماق أنفسنا ألا نتعرّف على وجوهنا إذا حملقنا إلى أخرى تماهينا قبل زمن مع أصحابها أو تماهى هؤلاء معنا.

هؤلاء ليسوا ناساً من ورق. هؤلاء ناس أحبّاء من روح وذكريات في قوالب بشريّة أليفة، راح كلّ واحد منهم "بمَيل". ويرجع بنا الزمن إلى أيّام ظننا فيها أنّ شيئاً لن يفرّق بيننا. ظننا، ببراءة ساذجة، أنّنا سوف نتشارك محطّات حياتنا كلّها بأفراحها وأتراحها، مثلما كنّا نتشارك لحظات حرجة وأخرى هانئة ومِحَناً وتحديّات كثيرة. بعضنا نجح في الحفاظ على روابط كانت في يوم، أمّا بعضنا الآخر فقد خاب ظنّه. تلك الخيبة لا يتحمّل مسؤوليّتها أيّ منّا بمفرده. الجميع ساهم في ذلك، بطريقة أو بأخرى. ونعود لنلتقي في الأتراح. من غير الجائز إغفال تقديم واجب العزاء أو الدعم لمكروب أو مغموم. ونقدّمه لبعضنا بعضاً. نحن جميعاً مفجوعون. حرقة الخسارة أصابتنا جميعاً. فالخسارة خسارتنا والأرض مدوّرة.

المساهمون