دون كيخوته بيننا

دون كيخوته بيننا

25 ابريل 2017
بطولات لم تصل إلى قتال طواحين الهواء (دي أغوستيني/Getty)
+ الخط -
تسمع أصوات شجار. أنت تعرف أنّ هذا النوع من الصراخ وما يرافقه من شتائم لا ينتهي عادة على خير. فالجروح والكسور والكدمات وزيارة العيادات والمستشفيات بات كثيرون لا ينتبهون حتى على إدمانها. في ردّ الفعل الأوّلي قد تسعى إلى الحلّ منعاً لتفاقم الشجار. قد تنجح في ذلك فأنت من أصحاب النوايا الحسنة، وكذلك الخبرة في فضّ النزاعات.

في المقلب الآخر، قد تدخل فوراً في قلب الشجار من دون حتى أن تتبين أطرافه... لديك آلية لتحديد الطرف الذي ستساند وأنت في قلب المعركة. من غير المعقول بالنسبة لك أن يدور شجار لا تشارك فيه. الشجارات وما فيها من لكم وضرب وركل وشتائم هي التي تعرّف هويتك، وهي التي تحدد جيداً من أنت وما أنت عليه.

لكنّك قد تفضّل الابتعاد عن كلّ شجار. أنت لا تفتعل مثل ذلك ولم تفتعله يوماً، بل تتهرب حتى إن فرض فرضاً عليك، وتبدي تسامحك باقتناع عميق منك وتقدير لثقافة اللاعنف. مع ذلك، يتغير كلّ حالك إذا صادفت في ذلك الشجار شخصاً يهمك أمره، كأن يكون شقيقك مثلاً. آليتك هي التبرير، والتبرير مأخوذ برومانسية الدفاع عن النفس، ذلك الدفاع الذي يتخذ الهجوم ولا ينتهي إلاّ بتفجيرك كلّ كبتك اللاعنفي فجأة. تندفع تلقائياً إلى خوض الشجار ومساندة شقيقك وإيقاع أكبر ضرر بمنافسه. ماذا لو كان شقيقك هو المذنب؟ تُفلسف الأمور وتقلبها وقد تصل إلى إلصاق الذنب بغريمه- غريمك الآن. وإن اقتنعت أنّ شقيقك مذنب فعلاً، فهو تفصيل غير أساسي في هذه اللحظة بالذات. مثل هذا التفصيل يتم التفرّغ له لاحقاً... ربما في مصالحة.

في حالة أخرى، قد تكره الشجارات وخوضها ولا قابلية لديك تحت أيّ ظرف للتورط في أحدها. أنت غير مؤهل من جميع النواحي لخوضها. تعرف ذلك حتى لو كان شقيقك نفسه في قلبها، فما باليد حيلة مهما نُظر اليك باحتقار بعدها. ألم يبدأ الأمر بمحاولة خوضك شجاراً ضُربت بعصا على رأسك في بدايته ونزفت حتى استفقت في غرفة طوارئ؟ هذه هي حالك، تعرف قدر نفسك فتقف عنده.

ذلك القدر لا يلتزم الجميع بالوقوف عنده. البعض يلتزم الفعل من دون القول. القول يتحول إلى أقاويل عن بطولات خاضها لم تصل - في الواقع - إلى قتال دون كيخوته طواحين الهواء حتى. المجتمع يفرض عليه اللجوء إلى مثل هذه الادعاءات الباطلة، وكثير من الأفراد يتقبلون ذلك الزيف خصوصاً إذا كانوا متملقين أو حتى مراعين.

ربما يكون معذوراً، فهو يرى العديد من الأبطال "الباطلين" من حوله، أولئك الذين من أصحاب الجعجعة بلا طحن، فلمَ لا يكون واحداً منهم؟

المساهمون