هذا هو القاتل الصامت

هذا هو القاتل الصامت

24 ابريل 2017
لا بدّ من المراقبة الدائمة (Getty)
+ الخط -

ارتفاع ضغط الدم هو السبب الرئيسي لأمراض القلب والأوعية الدموية التي تؤدي إلى سكتات دماغية وأزمات قلبية، تتسبب في 7.5 ملايين وفاة سنوياً حول العالم.

"القاتل الصامت" لقب يُمنَح جزافاً لمسببات وفاة تختلف طبيعتها. لكنّ القاتل الصامت الحقيقي بحسب المتخصصين الصحيين، هو ذلك المرض الذي يُعدّ من أخطر الأمراض حول العالم والذي يصيب نحو 30 في المائة من البالغين، من دون أن تكون له أعراض ظاهرة في معظم الأحيان. هو ارتفاع ضغط الدم الذي قد يظهر للمرّة الأولى كـجلطة دماغية، من الممكن أن تأتي قاتلة.

ويعود ارتفاع ضغط الدم إلى الواجهة بعدما تبيّن أنّه لم يعد محصوراً في الدول الأكثر رفاهية أو الأكثر غنى، بل تعدى ذلك ليبلغ الدول الأكثر فقراً. هذا ما أعلنته دراسة حديثة نشرتها دورية "ذي لانست" الطبية، تكشف فيها أنّ عدد الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم تضاعف تقريباً خلال 40 عاماً ليتخطّى 1.1 ملياراً حول العالم. وأفادت الدراسة بأنّ ارتفاع ضغط الدم تراجع في البلدان الغنية بين عام 1975 وعام 2015، ربما نتيجة توجّه تلك البلدان صوب الوجبات وأنماط الحياة الصحية، في حين سجّل تزايداً في البلدان الفقيرة. وإذ أشار معدّو الدراسة، وهم باحثون من منظمة الصحة العالمية، إلى أنّ الزيادات كبيرة هي في أفريقيا وجنوب آسيا خصوصاً، أعادوا الأمر جزئياً إلى سوء التغذية في الصغر.

لا رقابة على المواد الحافظة

الطبيب اللبناني المتخصص في أمراض القلب الدكتور جورج سعادة كان قد شارك من خلال مقال طبي في دراسة مجلة "ذي لانست"، فيقول لـ "العربي الجديد" إنّ "سبب ارتفاع ضغط الدم في الدول الفقيرة هو عدم توفّر أجهزة رقابة على المواد الحافظة التي تحتوي على أملاح أو مواد تزيد من ارتفاع ضغط الدم، بخلاف الدول المتطوّرة. فتلك الأخيرة تملك أجهزة رقابة فعالة تتيح لها أن تفرض على صانعي المواد الحافظة تخفيض نسبة الأملاح أو على أقل تقدير ذكر المحتويات على العبوات، الأمر الذي يتيح لمن يعاني من ارتفاع في ضغط الدم عدم تناولها".

يضيف أنّ "تلك الدول تشدد كذلك على أهمية الوقاية من ارتفاع ضغط الدم، وهو للأسف أمر غير متوفّر بصورة كافية في الدول الفقيرة". ويشير سعادة إلى أنّ "ارتفاع الضغط الدم في تسعينيات القرن الماضي كان يُعد السبب التاسع لـأمراض القلب، بينما أصبح اليوم السبب الأول. ولا ننسى أنّ الحالة النفسية والضغوط اليومية تؤدّي دورها في ارتفاع ضغط الدم". ويشدّد على أنّ "المطلوب اليوم هو السيطرة على ذلك الارتفاع من خلال مراقبته وتناول العلاج المناسب والحرص على نوعية الغذاء المستهلك".




تلوّث بيئي

من جهته، يوضح الطبيب المتخصص في أمراض القلب والشرايين والضغط الدكتور زياد زيدان لـ "العربي الجديد" أنّ "عوامل الخطر مختلفة ومنها الضغط النفسي الناجم عن صعوبة تأمين لقمة العيش في البلدان الفقيرة، كذلك الكوليسترول والسكري واستهلاك الملح بكميات كبيرة وتلوّث الهواء والجلوس طويلاً وزيادة الوزن. لذا نشدّد على التوعية حول الحدّ من البدانة منذ الصغر، إذ إنّه كلّما كبر الإنسان أصبح من الصعب عليه خسارة الوزن بسهولة". يضيف زيدان أنّ "الوجبات السريعة الغنية بالدهون والملح والسكريات تتوفّر أكثر فأكثر في الدول الفقيرة، في ظل تغيّر أنماط العيش. ويأتي الضغط النفسي الذي يؤدّي إلى إفرازات أكبر بهرمون الأدرنالين، وهو ما يزيد من تصلب الشرايين". ولا ينسى الإشارة إلى "التدخين وإدمان النارجيلة التي تُعدّ أكثر ضرراً على الصحة من التدخين"، فيما يؤكّد أنّ "القاطنين في بيوت قريبة من الطرقات السريعة مهددون أكثر بارتفاع ضغط الدم، نتيجة تلوّث الهواء الذي تتسبب به زحمة السير".

جراثيم في الأمعاء

في السياق، يقول الاختصاصي في الطب الداخلي الدكتور إيلي فرح لـ "العربي الجديد" إنّ "ظروف العيش في البلدان الفقيرة تكون أصعب ممّا هي عليه في البلدان الغنية، وهو ما يؤدّي إلى مشاكل نفسية من قبيل التوتر العصبي من جرّاء الخوف على المستقبل. فتزيد نسب الأدرينالين وترتفع كل هرمونات الضغط النفسي، فيرتفع بالتالي ضغط الدم". يضيف أنّه "من المتوقّع أنّ يزيد عدد المصابين بارتفاع ضغط الدم في الشرق الأوسط بعد عشر سنوات، من 80 مليون مصاب إلى 180 مليوناً. ولا ننسى أنّ سوء التغذية يزيد من الإصابات". ويتحدّث فرح عن "مفهوم جديد في الطب الحديث يشير إلى أنّ ثمّة جراثيم تعيش في الأمعاء تسمّى ماكروبيوم تتحكم هي بأجسامنا وتتسبب في أمراض مزمنة كـالسكري وارتفاع ضغط الدم بالإضافة إلى أمراض القلب والالتهابات المزمنة وغيرها".

رعاية صحية أكبر

من جهتها، توضح الاختصاصية في الطب الداخلي الدكتورة ديانا عون لـ "العربي الجديد" أنّ "ارتفاع ضغط الدم في الدول الفقيرة يعود إلى أسباب عدّة، ربما لأنّ سكانها لا يملكون الأموال الكافية للعلاج، إذ إنّ الأدوية الجيدة مكلفة. كذلك لا يتوفّر نظام رعاية صحية مناسب لتأمين الفحوصات الطبية اللازمة، علماً أنّ ارتفاع ضغط الدم قاتل صامت". تضيف عون: "من الممكن أن يرتفع فجأة من دون أن يدري المريض بذلك، فيلحق الأذى بشبكة العين أو الكلى أو يتسبب في جلطة في الدماغ أو القلب، لا سيما عندما يأتي الاكتشاف متأخراً أو في حال أوقف المريض دواءه فجأة". وتتابع: "نحن كأطباء نشدد على أهمية ممارسة الرياضة واعتماد نظام غذائي معيّن ومدروس مع مراقبة الضغط بانتظام".

البدانة عامل أساسي

إلى ذلك، يتحدّث الطبيب المتخصص في أمراض القلب الدكتور سلام معماري عن "تغيير نمط الحياة". ويقول لـ "العربي الجديد": "في أيام أجدادنا، لم تكن تسجّل إصابات من جرّاء ارتفاع في ضغط الدم، لأنّهم كانوا يعتمدون على الغذاء الطبيعي. واليوم نجد أنّ ارتفاع ضغط الدم إلى تزايد حتى في الدول الفقيرة، نظراً إلى الإقبال الشره على الأطعمة مع ما يعني ذلك من ارتفاع في كميات الملح المستهلكة، وبالتالي البدانة".

المساهمون