في جنوب العراق... قوة تخشاها الدولة تتمدد باسم العشائر

في جنوب العراق... قوة تخشاها الدولة تتمدد باسم العشائر

23 ابريل 2017
ضحايا مدنيون نتيجة قتال العشائر (أحمد الربيع/Getty)
+ الخط -
بالرغم من أن مدينته ذي قار، تتمتع بنسبة عالية من الأمان، إلا أن حسن اللامي، هجرها ليسكن بغداد، التي تشهد بين وقت وآخر اعتداءات إرهابية توقع العشرات من الضحايا، فهو يرى هذه الخروقات "أرحم" من الصراعات العشائرية التي لا تتوقف.

ولم يعد اللامي يطيق العيش في المحافظة التي ولد ونشأ فيها حتى بلغ الأربعين من العمر، لقد أصيب طفله برصاصة طائشة بعد نشوب معركة بين قبيلتين، قبل نحو ثلاثة أعوام.

وقال لـ"العربي الجديد"،"في بغداد قد يموت المرء من جراء تفجير ينفذه عناصر تنظيم الدولة الإسلامية " داعش"، الذين هم أعداء لقوات الأمن والمواطنين، لكن في صراع العشائر بمدينتي قد يكون بين المتصارعين جنود وحتى ضباط في الجيش أو الشرطة، وقد يقع ضحايا من المدنيين بسببهم، ما يعني أن المجرم هنا معروف، وهذا هو الفرق الوحيد بينهم وبين داعش".

وتشتهر مدينة "ذي قار"، 375 كم جنوبي بغداد، بخلافات عشائرية كبيرة، تنشب على إثرها باستمرار معارك طاحنة يسقط من جرائها قتلى وجرحى. ونظراً لقوة العشائر تعجز الحكومة عن فرض وجودها وتطبيق القانون، فتتسبب العشائر بصراعاتها في نشر الفوضى وتخريب الاقتصاد العام والخاص.



النقيب علي التميمي من شرطة محافظة البصرة، 590 كم جنوبي العراق، أكد في حديثه لـ"العربي الجديد" صعوبة تعامل الأجهزة الأمنية مع قتال العشائر، مشيراً إلى أن ما تتمتع به في محافظات الجنوب من قوة يقف عائقاً أمام ردعها. وبين التميمي الذي شهد العديد من النزاعات، أن "خير ما توصف به تلك النزاعات أنها حرب بين جيشين، وليس نزاعاً قبلياً".

وأوضح: "تمتد المعركة لأيام أحياناً دون توقف، تستخدم فيها أسلحة متوسطة وثقيلة وليس الخفيفة فقط، فهي مسلحة بكميات من العتاد تفوق ما تمتلكه وحدات عسكرية رسمية مدربة".


وشدد على أن "أي إجراء رسمي يتخذ من قبل الجهات الأمنية مع هذه العشائر لن يجدي نفعاً؛ لأنها وبكل بساطة تمتلك نفوذاً في الدولة، وتدعم المليشيات، بل إنها لا تتورع عن ضرب القوة الأمنية إن حاولت شن حملة لاعتقال أفراد منها".

قائم مقام قضاء المجر الكبير التابع لمحافظة ميسان، 320 كم جنوب شرقي بغداد، استنجد مؤخراً بإدارة المحافظة لإنقاذ قضائه من المعارك العشائرية، إذ وصف في رسالة له، نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، أن قضاء المجر الكبير "أصبح جبهة قتال".

وقال في الرسالة المؤرخة في 12 أبريل/ نيسان الجاري "في يوم واحد (نشبت) أكثر من ثلاث معارك عشائرية" مؤكداً أن المعارك استخدمت فيها "مختلف أنواع الأسلحة". وشدد على ضرورة التدخل "لإنقاذ القضاء" لافتاً الانتباه إلى أن "أغلب مواطني القضاء ينوون الرحيل لأنهم يعيشون في غابة وجبهة".

الأسباب التي تنشب نتيجتها المعارك بين العشائر بعضها قديمة تعود لسنين طويلة، لكن الأحقاد تعيدها إلى الواجهة من خلال مقتل شخص من إحدى العشيرتين، بحسب الشيخ القبلي علي الجماسي.

رسالة لإنقاذ القضاء من المعارك العشائرية (فيسبوك)


الجماسي أكد لـ"العربي الجديد"، أن "بعض المعارك تنشب بسبب خلاف على تقاسم المياه بين فلاحين تتجاور أرضيهما الزراعية، وأخرى نتيجة فقدان خروف، أو مقتل حيوان يتبع لفلاح من هذه العشيرة فتنشب الخلافات وتتطور إلى حصول قتل ومن هنا تبدأ المعارك الكبرى".

وتوقع المعارك العشائرية ضحايا بين المواطنين من غير العشائر المتقاتلة، بسبب نشوبها بالقرب من القرى والمناطق السكنية، والطرق العامة، فضلاً عن أنها توقف النشاطات الحياتية الأخرى.

محسن عبد الكاظم، أصيب بشظايا في جسمه نتيجة سقوط مقذوف قريباً من منزله؛ بسبب معارك قوية في قضاء الزبير بالبصرة قبل عامين، وهو يقول في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "المعارك تتسبب بضحايا بشرية من غير المتصارعين، وأذى يصيب الناس؛ إذ تتوقف الأعمال وتقطع الكثير من الشوارع".

موظفون وطلاب مدارس وجامعات يُجبرون على عدم الخروج من منازلهم إن نشبت معارك داخل المناطق التي يقطنون فيها، فالمعارك تكون على أشدها، وبالتالي فإن أعمالاً ومصالح تتعطل بسبب تلك المعارك.

وبحسب محمد عباس الذي انتقل مؤخراً للعيش في بغداد، قال إن محافظته ميسان يصعب العيش فيها؛ والسبب على حد قوله "سيطرة العشائر على المدينة، وقوة نفوذها، ليس لها رادع وقد يتعرض الشخص المسالم إلى دفع تعويض مادي لهم لمجرد سوء فهم بسيط".

وأوضح عباس لـ"العربي الجديد"، أنه " لم يعد للقانون وجود في ظل تنامي قوة العشيرة. قد يقتل الشخص إن لم يذعن لقرار العشيرة في حال ارتكب مخالفة بسيطة". وأضاف: "أحد أقاربي اصطدم دون عمد بعربة بائع جائل يبيع الفاكهة، فقط حصل كسر بزاوية العربة، وسقطت بضاعة الرجل".

وتابع: "وبالرغم من أن البائع كان متجاوزاً على الشارع العام المخصص لمسير السيارات فقط، إلا أنه حوّل القضية إلى عشيرته، فأجبر قريبي أن يدفع مبلغاً يعادل أكثر من عشرين ضعف قيمة البضاعة التي سقطت على الأرض، ولو لم يذعن قريبي لقرار العشيرة لتلقى تهديداً بالقتل، ولا شك أن القتل سينفذ إن لم يدفع قبل انتهاء المدة المحددة". 

من جهته، قال مسؤول في مجلس محافظة بغداد، إن عدم اتخاذ خطوات رسمية لإيقاف المعارك بين العشائر، يعود إلى أن تلك العشائر مدعومة من قبل أحزاب السلطة والمليشيات النافذة.

وأوضح المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن "الأسلحة التي تستخدم بالمعارك بين العشائر في الأغلب هي تعود للمليشيات، والمليشيات تأسست بدعم من العشائر، وتتلقى دعماً حكومياً كبيراً بالإضافة، لذلك تستخدم في المعارك العشائرية قذائف هاون وقاذفات "آر بي جي 7" وغيرها".

وأضاف أن "المليشيات تعتبر سنداً لشخصيات سياسية، توفر الدعم المادي لها ولشيوخ العشائر التي تزج بأبنائها في صفوف المليشيات" لافتاً النظر إلى أن هذه الشخصيات التي لم يسمها، لكنه وصفها بـ"النافذة في الدولة" تعمل على "كسب العشائر بطرق مختلفة منها توظيف أبنائها بمؤسسات الدولة في سبيل احتكار أصواتهم في الانتخابات، وذلك السر وراء بقاء أشخاص في الحكومة منذ أكثر من عشر سنوات".