مناطق مغربية "مغضوب عليها"

مناطق مغربية "مغضوب عليها"

24 ابريل 2017
مهمّشة هي ومدينتها (فاضل سنا/ فرانس برس)
+ الخط -
"المغرب غير النافع"، مصطلح محليّ يدلّ على تلك المناطق المهمشة التي لا تستفيد من النمو الاجتماعي ولا الاقتصادي المنشودين، فظلت بالتالي تعاني من الغبن والتهميش على مدى سنوات طويلة. وهو الأمر الذي دفع بسكانها إمّا إلى سلوك طريق الاحتجاجات أو إلى المطالبة بزيارات ملكية لفكّ طوق العزلة عن مناطقهم تلك.

والمناطق المغربية تعرف تباينات وفوارق اجتماعية فاضحة، إذ منها ما هو موغل في الفقر والتهميش ومنها ما يشهد ازدهاراً وإنماء. فتنقسم البلاد، بحسب البعض، إلى مغرب نافع وآخر "غير نافع"، وفق التقسيم الرائج منذ حقبة الاستعمار الفرنسي.

وفي حين تستفيد مناطق خصبة، من قبيل محور الرباط والدار البيضاء أو طنجة ومراكش وأغادير، من فرص التنمية بمختلف أنواعها، تعاني مناطق أخرى من انعدام فرص الشغل لشبابها ومن تردّي خدمات الصحة والتعليم والسكن. ويتوضّح هذا التفاوت الاجتماعي الصارخ بين مناطق المغرب في بيانات رسمية نشرتها المندوبية السامية للتخطيط قبل أشهر، تفيد بأنّ محور الرباط وسلا والقنيطرة ومحور البيضاء وسطات يساهمان لوحدهما في نصف إنتاج البلاد. وبحسب تلك البيانات كذلك، فإنّ متوسط حصة الفرد من الناتج الإجمالي في الجهات الغنية في البلاد يصل إلى أكثر من 45 ألف دولار أميركي، فيما تتوفر له خدمات جيدة في الصحة والتعليم وفي المرافق الاجتماعية الأخرى. أمّا المواطن في الجهات الفقيرة، فلا يصل متوسط حصته إلى ألفَي دولار سنوياً.

ويعود التفاوت بين المناطق الغنية والفقيرة في المغرب إلى مدى اهتمام الدولة بمنطقة على حساب أخرى، في حين يقول البعض بوجود مناطق محظوظة وأخرى "مغضوب عليها". والمناطق المغضوب عليها من قبل الدولة هي مناطق لا تستفيد من الخدمات الاجتماعية اللازمة، وشبابها يعانون من البطالة والحرمان، فيما الصحة فيها تحتضر وكذلك التعليم. وهو ما يدفع هؤلاء الشباب إمّا إلى التطرّف كردّ فعل، أو إلى الاحتجاج العنيف أو إلى الهجرة لتحقيق غد أفضل خارج البلاد.

ومن أكثر المناطق المعروفة بأنّها "مغضوب عليها" ولا تصلها حصّة من التنمية الاجتماعية والاقتصادية مثل الجهات الأخرى، هي منطقة الريف في أقصى شمال المملكة. وقد شهدت مواجهات دموية عدّة بين السكان المتمرّدين والسلطات الأمنية. تجدر الإشارة إلى أنّ الريف المغربي يُعرف كمنطقة ساخنة تدور فيها الاحتجاجات الاجتماعية الأكبر في البلاد. ففي عام 1958، كانت انتفاضة الريف ضد الاحتقار والظلم والتهميش، وأتت المواجهات عنيفة بين السكان والسلطات. كذلك كانت انتفاضة أخرى في عام 1984 في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، ثم احتجاجات "حركة 20 فبراير" في عام 2011. واليوم تتواصل الاحتجاجات من حين إلى آخر، خصوصاً في مدينة الحسيمة، بعد مصرع بائع السمك محسن فكري في أكتوبر/ تشرين الأول 2016. ويطالب سكان الريف عموماً، ومنطقة الحسيمة خصوصاً، بأن ترفع الدولة التهميش عنهم وبأن تهتم بالشباب العاطلين من العمل وتنشئ مشاريع تعود بالنفع على المنطقة، بالإضافة إلى الانتهاء ممّا يسمّى "عسكرة الريف" نتيجة التدابير الأمنية المكثفة.

وثمّة مناطق أخرى عرفت بأنّها "مغضوب عليها" لأسباب تاريخية وسياسية كذلك، منها منطقة تازة (شرق)، وتحديداً هرمومو التابعة لها، إذ خرج الجنود من ثكنتها العسكرية تحت أوامر ضباط متمردين في عام 1971 وتوجّهوا إلى القصر الملكي حيث كان الملك الحسن الثاني الراحل يقيم حفلة عيد ميلاده. وقد نجا الأخير من عملية اغتياله بينما راح الجنود يطلقون الرصاص على الحاضرين. يُذكر أنّه منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في بداية سبعينيات القرن الماضي، تعرّضت منطقة تازة وهرمومو تحديداً إلى تهميش كبير من قبل السلطة المركزية، ويعاني شبابها ورجالها ونساؤها اليوم من الإهمال وقلة فرص الشغل والإنماء.

ومن المناطق التي تقاسي العزلة والتهميش كذلك، منطقة خنيفرة (شمال وسط)، التي خرج أبناؤها في أكثر من مرّة للمطالبة بزيارة ملكية لتفقد أوضاع المدينة وإرساء مشاريع تنمّي المنطقة وتنتج ثروات وفرص شغل للعاطلين من العمل. أهالي مدينة طانطان الصحراوية طالبوا كذلك في مرّات عدّة بزيارة ملكية، لعلّ مدينتهم تصبح في مصاف مدن الجنوب الأخرى، لا سيما العيون التي تشهد ثورة عمرانية واجتماعية هائلة. وتطالب فعاليات من طانطان بمحاربة الظلم الاجتماعي والتهميش والإقصاء ومكافحة الفساد والريع الاقتصادي ونهب المال العام، إذ إنّ كل ذلك حوّل المدينة إلى منطقة شبح بلا تنمية ولا مستقبل.