إحياء "حمى" في المنطقة العربية

إحياء "حمى" في المنطقة العربية

24 ابريل 2017
سياحة بيئية في حمى كفرزبد اللبنانية (رمزي حيدر/فرانس برس)
+ الخط -

"الحمى" نظام تقليدي لإدارة الأراضي في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بدأت المجتمعات المحلية بالعمل به منذ ما قبل الإسلام، ثم أعيد تطويره في الإسلام ليصبح طريقة حماية للطبيعة بدلاً من حمى ينشئها الأقوياء كأملاك خاصة بهم ويستفيدون منها للرعي والحصول على المياه.

بعد الإسلام، راحت المجتمعات تنظم الرعي بين بعضها البعض من أجل استدامة المراعي، وتعمل على استنباط الطرق للحصول على المياه وتنظم توزيعها بين المزارعين من أجل إبعاد الاقتتال بينهم، بالإضافة إلى تنظيم الصيد لعدم انقراض الطيور التي كانوا يعرفون مدى فائدتها لهم، وغيرها من الإجراءات. كذلك، عرفت تلك المجتمعات قيمة المحافظة على الموروثات الطبيعية، وفرضت احترامها على المجتمعات الأخرى المجاورة، واعتمدت على الحكمة والأخلاق العالية والتعاون في إدارة الأراضي من أجل تأمين عيش الإنسان بانسجام وتناغم مع الطبيعة.

وتشاء الأقدار بعد 1400 سنة ونيّف من العمل بنظام الحمى، أن تأتي الاتفاقية بشأن التنوع البيولوجي لتطرح شعار "تحقيق عيش الإنسان بتناغم وانسجام مع الطبيعة" (وهو هدف الحمى نفسه)، من أجل استراتيجيتها الممتدة بين عام 2011 وعام 2021. وتشاء الأقدار كذلك أن تتنبه إحدى الجمعيات الأهلية الناشطة بيئياً في لبنان (جمعية حماية الطبيعة في لبنان)، إلى أهمية الحمى وإعادة إحيائها في المنطقة. فأنشأت بداية حمى إبل السقي وحمى عنجر النموذجيتَين من أجل حماية أنواع الطيور المهددة بالانقراض على المستوى العالمي والموجودة في هذه الحمى، ومن أجل تنظيم الاستهلاك الرشيد للمياه الوفيرة فيها، ومن أجل منع الصيد في المناطق الهامة بالنسبة إلى الطيور في هذه الحمى والسماح به بعيداً عنها نسبياً، مع التشديد على أن يكون الصيد مسؤولاً، أي متوافقاً مع قانون الصيد، ومستداماً، أي ألا يؤدي إلى تعريض أيّ نوع للتدهور والانقراض. وهو الأمر الذي دعا إلى إنشاء صندوق داعم لحمى الشرق الأوسط ذات الأهمية للطيور في عام 2008، ولفت انتباه الاتحاد الدولي لصون الطبيعة وجعله يتبنى في عام 2012 نظام الحمى في المذكرة 122، كنوع من الأنظمة التي تعتمد على الإدارة بواسطة المجتمع المحلي من خلال مقاربة شاملة لتقوية المعرفة المحلية والتقليدية والثقافية والتراثية بالإضافة إلى المحافظة على الموارد الطبيعية وتحسين مستوى المعيشة.

تدلّ الدراسات والأبحاث على أنّ ثمّة عدداً كبيراً من الحمى التقليدية في العالم العربي. في السعودية على سبيل المثال، نجد حمى بني سار والثمالة والأزاهرة والحميد وقريش وجبل رال وغيرها. أمّا أفلاج سلطنة عمان والجزائر، فليست سوى وجه من أوجه الحمى التي تعتمد على توزيع المياه مداورة على الأهالي. وفي لبنان، اكتشفت خرائط قديمة تحمل اسم حمى إبل السقي، وهي منطقة هامة للطيور، فأعيد إحياء مفهوم الحمى فيها، بينما جرى الإعلان عن 18 حمى أخرى، كحمى الهرمل ورأس بعلبك والفاكهة وعندقت ومنجز وعنجر وروم وقيتولي والقرعون وخربة قنافار.

وإذا كانت عبارة حمى غير مألوفة في بعض الدول، فهذا لا يعني أنّ الحمى، ذلك النظام الذي يؤمّن فوائد بيئية واقتصادية للبشر ويحافظ على التنوّع البيولوجي في الوقت نفسه، غائبة عنها. الحمى موجودة تحت أسماء أخرى، ففي السودان تدعى محميّة وفي الجزائر أغدال وفي اليمن محجر وفي إيران كوروك. وثمّة مناطق في سورية لا تحمل أيّ اسم من الأسماء المرادفة للحمى، إلا أنّها تدار على أنّها كذلك.

*اختصاصي في علم الطيور البريّة

دلالات

المساهمون