لعنة الأعداد

لعنة الأعداد

18 ابريل 2017
من اهتم بسبحة الضحية؟ (تشيب سوموديفيلا/ Getty)
+ الخط -

في السابع من شهر إبريل/ نيسان الجاري، حلّت الذكرى السنوية الثالثة والعشرون على الإبادة الجماعية في رواندا. البلد الواقع في وسط أفريقيا شهد خلال ثلاثة أشهر إبادة أكثر من 800 ألف إنسان. تختلف التوصيفات لتسمية هؤلاء الناس بحسب العرق والدين والأصل واللون، لكنّ بلداً صغيراً لا تتجاوز مساحته 27 ألف كيلومتر مربع، تجاوز عدد سكانه 7 ملايين و200 ألف نسمة عام 1990 مع بداية الحرب الأهلية، تدهور هذا العدد عام 1995 في أعقاب سنوات الحرب الثلاث وبعدها المجازر إلى 5 ملايين و664 ألف نسمة.

أعداد. هي مجرد أعداد. يضرب زلزال منطقة من العالم، فتنتظر نشرات الأخبار وصول "العدد" إلى مائة قتيل. بذلك، بات يستحق النشر. من هم هؤلاء المائة؟ ما هي أشكالهم؟ ماذا أكلوا في ذلك اليوم؟ أين مشوا؟ ما هي أوجاعهم قبل الموت؟ من يعرفون؟ من يحبون؟ ماذا يقرؤون؟ ما الموسيقى التي يستمعون إليها؟ من منهم حاول الهجرة ورُفض طلبه؟ كيف عاش أحدهم فقيراً على مرأى من الآخرين ممن قُتلوا معه أم نجوا؟ ليست مهمة التفاصيل. لكنّ المراصد تفتل رؤوسها مجدداً تبحث عن مشاهير بين القتلى. قد لا يبرز أيّ مشهور من بينهم، تبقى الأعداد أعداداً. وربما يظهر أحدهم، فتبرزه ويغفل الجميع عمّن قتل من حوله وعن كلّ نَفس من أنفاسهم في حياتهم وبينما كانوا يموتون.

التفجيرات التي تستهدف "القادة والزعماء" على هذه الحال: "نبشّركم ولله الحمد أنّ محاولة اغتيال زعيمنا المفدّى فشلت". في خبر أصغر: "مقتل 20 شخصاً في التفجير الذي استهدف الزعيم الفلاني". العشرون عدد. مجرد عدد فالزعيم نجا. وإن لم ينجُ كذلك، من يتحدث عن غيره؟ من ينشئ دائرة قضاء دولية يتقاضى الموظفون فيها قضاةً ومحققين ومحامين وإداريين وغيرهم أموالاً طائلة بهدف المماطلة والمراوغة وعدم التوصل إلى أيّ حقيقة بانتظار قرار سياسي يكشف تلك الحقيقة بصرف النظر عمّا إذا كانت حقيقة أم لا؟

الناس مجرد أعداد في هذا العالم. أعداد في خدمة حروب يتحكم بها قادة، يتحكم بهم اقتصاديون. والأعداد ملعب الاقتصاديين وملهاتهم.

الإبادة الجماعية في رواندا سبقتها إبادات استهدفت شعوباً ودولاً ومناطق عديدة حول العالم لا سيّما في عالمنا العربي الذي تتناوب طوائفه وبلدانه على دور الضحايا. لكنّنا مجرد أعداد لا طائل إنسانياً منها. أعداد يُختلس باسمها، وأعداد تُدفع إلى "مليونيات"، وأعداد تملأ صناديق الاقتراع، وأعداد تُقتَل عند الطلب.

ومهما قال أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس: "السبيل الوحيد لإحياء ذكرى من قتلوا في رواندا بصدق هو العمل على منع وقوع مثل تلك الأحداث" نتساءل: هل من سبيل لمنع ذلك فعلاً؟ وهل من سبيل لتحول العدد إلى إنسان؟

دلالات

المساهمون