الشر برّا وبعيد

الشر برّا وبعيد

13 ابريل 2017
نعم.. كان صدقاً (لنعمل من أجل المفقودين)
+ الخط -

حيرة. نحتار في أمرنا. ماذا نكتب؟ في كلّ مرّة نقترب من هذه الذكرى، نرى أنفسنا ملزمين بتناولها. من أيّ زاوية نفعل؟ هنا السؤال. وهنا تكمن الحيرة. كأنّه من المعيب أن نغفلها. كأنّه من المعيب أن تغيب عن حساباتنا. كأنّه من المعيب ألا نعيرها اهتمامنا الأوّل. "الموضوع" متوفّر. لِمَ نجهد أنفسنا في البحث عن آخر؟

مرّة جديدة، يحلّ هذا التاريخ، الثالث عشر من شهر أبريل/ نيسان. مرّة جديدة، تحلّ هذه الذكرى. هي المرّة الثانية والأربعين. اثنان وأربعون عاماً بالتمام والكمال مرّت على الثالث عشر من أبريل/ نيسان 1975. لم أشهد هذا التاريخ. كثيرون مثلي لم يشهدوه كذلك، غير أنّنا جميعاً نرى أنفسنا ملزمين باستعادته بطريقة أو بأخرى. نحن ملزمون باستعادته، لا بل باستعادة ما بلغنا منه. عدم استعادته كأنّما هو تنكّر لتاريخنا.

"تنذكر وما تنعاد!". كلّما أتينا على ذكر واقعة ما، قاسية كانت أم ثقيلة أم حزينة أم مؤلمة، ألحقناها سريعاً بـ "تنذكر وما تنعاد". كأنّما نحن قائلون: "الشرّ برّا وبعيد!". الأمر نفسه ينطبق على الحرب اللبنانيّة، من دون أن نصفها لا بالأهليّة ولا بحرب الآخرين على أرضنا. وقبل زمن، قبل سبعة عشر عاماً، أطلق ناشطون حملة "تنذكر تـما تنعاد". بدلاً من القول "الشرّ برّا وبعيد!"، دعا هؤلاء إلى تناول الحرب اللبنانيّة حتى لا تقع من جديد. هم رأوا في الإشارة إلى "الشرّ" ضرورة لعدم استجلابه من جديد. هم رأوا في تسمية الأشياء بأسمائها ضرورة لعدم التورّط مجدداً في أحداث لا تُحمد عقباها.

كانت الحملة مميّزة. تبنّيناها، أو هي تبنّتنا، ورحنا ننادي بها. ارتدينا بفخر تلك القمصان القطنيّة كحليّة اللون، التي خُطّ عليها الشعار بلون برتقاليّ. حملنا تلك العرائض ورحنا نشرح أهميّة "حملتنا" ونشجّع "شركاءنا في الوطن" على تبنّيها والتوقيع. كانت الحماسة رفيقتنا وكذلك إيماننا بأنّنا سوف نحدث فرقاً ما.. تغييراً ما. كان ذلك في بداية القرن الواحد والعشرين.

بعد سبعة عشر عاماً على إطلاق الحملة، وبعد اثنَين وأربعين عاماً على انطلاق الحرب اللبنانيّة، يرى كثيرون أنفسهم وهم يترحّمون على تلك الحرب. مهلاً. هم لا يفعلون ذلك رغبة منهم في الاقتتال والدم والخراب، بل يترحّمون على صدق ما كانت تنطوي عليه تلك الحقبة. نعم.. كان صدقاً. المتخاصمون الذين اقترفوا تلك الحرب، بفصولها، كانوا مؤمنين كلّ واحد بقضيّته. من هناك، تورّطوا. أمّا اليوم، فيكثر الرياء. كثيرون نحن الذين ندّعي نزعة نحو "السلام" و"المصالحة" و"التعايش". خلافات الأمس ما زالت تسكننا. نرفض الإقرار.. ويكثر الرياء.


المساهمون