رحلة في حافلات المغرب العمومية

رحلة في حافلات المغرب العمومية

10 مارس 2017
ماذا يدور في داخلها؟ (العربي الجديد)
+ الخط -

"هل تريد أن تتعرّف على نبض المجتمع المغربي ومشكلاته وأحواله، وكذلك على فئاته وطبقاته واختلافاته، إذاً ما عليك إلا ركوب حافلة عمومية مكتظة بالناس". هذا ما يؤكده محمد بنفردة، الذي كان يعمل سائق حافلة تربط بين الأحياء الشعبية لمدينة سلا المجاورة للعاصمة الرباط.

والحافلة بالنسبة إلى بنفردة، "تحمل في أحشائها فئات اجتماعية مختلفة الأنماط. قد يركبها الفقير وقد يركبها الغني، وكذلك المريض والمتعافي، والعاقل والمجنون، والمؤدب والمشاغب، والصاحي والسكران، وغيرهم". يحكي لـ"العربي الجديد"، أنّه كان على مدى 30 عاماً، شاهداً على وقائع وأحداث عدّة كانت الحافلة مسرحها. ويوصّف الوضع "حرباً يومية مع فئات غريبة من الركاب. إمّا نتحمّل طباعهم المستفزّة، أو نرفض ذلك ونستدعي المراقب لطردهم من الحافلة".

يشير بنفردة إلى أنّه يفقد السيطرة على أعصابه، "كلّما تشاجر راكبان أو أكثر من دون مراعاة للآخرين، أو في حال وقعت حادثة سرقة أو تحرّش جنسي. وهو الأمر الذي من شأنه التأثير على قيادتي للحافلة، فأتحمّل بالتالي مسؤولية سلامة الركاب وحياتهم. فالحافلة تتحوّل حينها إلى مسرح للعراك والشتائم، ولا يُحلّ الأمر إلا بالتوجه نحو أقرب مركز للشرطة".

في هذا السياق، يسرد بنفردة ما جرى في إحدى المرات، عندما ركب لصّ شاب الحافلة. يقول: "لم يظهر عليه أنّه محتال أو منحرف. ظلّ واقفاً في ممر الحافلة المزدحمة بالعمال والطلاب، قبل أن يمدّ يده إلى جيب امرأة محاولاً نشل هاتفها، مستغلاً الزحام. لكنّ اللص لم يتوقّع صفعة من تلك المرأة التي استدارت بسرعة البرق ولطمته لتسقطه أرضاً". يضيف أنّها كانت "شرطية في سلك الأمن، لكنّها كانت بلباس مدني. فكبّلت يديه، وطلبت مني التوجه نحو أقرب مركز للشرطة. وهو ما حصل".

وتكثر السرقات داخل الحافلات العمومية في مدن مغربية عدّة، لتتحوّل بذلك وسائل النقل هذه إلى فضاءات خطيرة متنقلة. وعلى الرغم من محاولات الأمن محاربة ذلك، إلا أنّ السرقات ما زالت تسجّل في الحافلات التي تحمل فوق طاقتها الاستيعابية. يقول مراقب في إحدى الحافلات التي تشهد ازدحاماً كبيراً في الخط الرابط بين الحيّ الشعبي وحيّ الفرح في وسط الرباط، إنّ "السرقة والنشل ينتشران في الحافلات التي تحمل ركاباً في ممرها. ويتزايد الأمر لحظة الازدحام عند باب الحافلة". يضيف المراقب، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، لـ"العربي الجديد"، أنّه "على الرغم من كل الاحتياطات والتحذيرات، وعلى الرغم من كل الجهود التي يبذلها المراقبون، إلا أنّ ثمّة من يحترف نشل ركاب الحافلات". لكنّه يلفت إلى أنّ "السرقات تقلّصت داخل الحافلات بصورة ملحوظة".




والسرقات ليست وحدها ما يكثر في حافلات المغرب، بل تسجّل كذلك حالات تسوّل تختلف طرقها. يقول المراقب نفسه: "يستقلّ المتسوّل الحافلة ويبرز تذكرته كما سواه من الركاب، الأمر الذي يمنع المراقب من طرده. وسريعاً، يبدأ بطلب المساعدة، إمّا لأنّه فقير معدم أو يتيم مسكين أو سجين سابق خرج للتوّ من السجن".

إلى ذلك، كثيراً ما تسجّل في وسائل النقل العمومية هذه، حالات تحرّش جنسي، خصوصاً في أوقات الازدحام. وهو الأمر الذي يثير مشاكل كثيرة ويخلّف شتائم وسباباً بين المتحرّش والمتحرّش بها.

ومن جهة أخرى، تتحوّل الحافلات العمومية في المغرب إلى فضاء لعرض السلع المختلفة. فيكثر البائعون على متن تلك الحافلات، من مختلف الأعمار. في بعض الأحيان، يشترون تذكرة الركوب، وفي أخرى لا يفعلون بالتواطؤ مع السائق أو المراقب. ويعرض هؤلاء بضائعهم البسيطة، من مناديل صحية أو حلويات وعلب علكة أو مظلات أو عطور، وغيرها.

لا يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ، إذ إنّ حافلة ما قد تتحوّل إلى "مستشفى متنقل للأمراض النفسية". فركابها يشكون ويتذمرون من كلّ شيء، فيما يفتح آخرون قلوبهم ويبوحون بما يشعرون به لركاب آخرين لا يعرفونهم ولا تجمعهم بهم أيّ علاقة. يتكرّر الأمر مع النساء، خصوصاً، فتتحوّل الحافلة بالتالي إلى صندوق أسرار.

ويبقى أنّه كثيراً ما تنتهي رحلة الحافلات العمومية في مراكز الشرطة، على خلفية سلوك "السلايتية"، أي هؤلاء الذين يتعمّدون ركوب الحافلة رافضين تسديد ثمن تذاكرهم. فتكون مواجهة مع المراقب المكلّف، تنتهي غالباً إمّا بإذعان المتملّص وتسيد ثمن تذكرته، أو إلى عراك بين الطرفَين يُطرد على أثره "السلايتي"، أو إلى توقّف عند مركز الشرطة.