خلّي بالك من زوزو

خلّي بالك من زوزو

09 مارس 2017
وتكبر فرحته... (مارك شاغال)
+ الخط -

إلى زهى...

يمسك بيدَيها الاثنتَين ويراقصها. يدور بها وسط تلك الحلقة، ويكاد يطير بها. إيقاع الموسيقى ليس بأمر جلل. يدور بها على هواه، وسط حلقة رقص شكّلها أصدقاء وأهل وأنسباء وأحبّاء. ويكادان يطيران. فرحته كبيرة.. بها.

لبرهة، تعود صغيرته. تعود صغيرة من صغيراته الثلاث. فستان زفافها الأبيض الأنيق ليس بأمر جلل. هي صغيرته. سوف تبقى كذلك، مهما ارتدت من أثواب. ويكاد يطير بها. لبرهة، تعود إليه ملامحها يوم كانت لا تزال طفلة بوجه مستدير باسم. ما زال وجهها باستدارته المحبّبة نفسها، وما زالت بسمتها تنوّره.

بشعره الأبيض - كأنّما الشيب لا يليق إلا به - وربطة عنقه الزرقاء وابتسامته التي تشي بالكثير، يراقصها. ليس بأمر جلل إن كانت أوسط بناته الثلاث أو أكبرهنّ أو أصغرهنّ. هي ابنته. هذا يكفيه. فرحته كبيرة.. بها.

ينسحب من تلك الحلقة. لم ينهكه الرقص على كلّ تلك الأنغام الشرقيّة، المصريّة واللبنانيّة، التي انتقتها صغيرته بتأنّ. ينسحب وقد أوكل نفسه "مهمّة رسميّة". فيدعو من بقي بعيداً عن تلك الحلقة، إلى الرقص. ويبدأ بمرافقة كلّ مدعوّ ومدعوّة، على حدة، إليها. الأصول تقتضي ذلك. إكرام الضيف واجب. اليوم، زفاف صغيرته. لا بدّ من أن يشاركه الجميع فرحته بها. لا بدّ من أن يشاركها الجميع فرحتها. يدعو الجميع إلى الرقص. ربّما كان الرقص التعبير الأمثل عن الفرح والبهجة. ويبحث عن أحفاده الثلاثة وحفيدتَيه. لا بدّ من أن يشاركوه بدورهم، فرحته بصغيرته. يوماً ما، سوف يرافق كذلك أولادها هي إلى الرقص، احتفاءً بفرحة قد تستجدّ. ويأمل أن يكون ذلك في القريب. فيحيط الصغار الخمسة بالعروس، بينما يبقى سادس - الأصغر - بين ذراعَي أمّه. تتمايل به. لا بدّ من أن يشارك جدّه فرحته، لا بدّ من أن يشارك خالته فرحتها. لا أحد صغير على الرقص. لا أحد صغير على الفرح.

تكبر حلقة الرقص وتمتلئ بالمحتفين بصغيرته. فتكبر فرحته. عجيب أمر الآباء وبناتهم. عجيبة تلك العلاقة، بعيداً عن كلّ ما اجتهد في تفسيره أو قد يجتهد فيه، هؤلاء الذين يحاولون الغوص في النفس البشريّة. عجيبة تلك العلاقة بين الأب وابنته. قد لا يدرك أيّ منهما ذلك، قد لا يدرك أيّ منهما فرادتها، إلّا في ظرف مماثل. قد لا يدرك أيّ منهما ذلك، إلّا في ظرف آخر.. لا يكون بمثل هذه الغبطة.

في مثل هذا اليوم، قبل أسبوع واحد، زُفّت صغيرته - العروس - إلى عريسها. في مثل هذا اليوم، قبل أسبوع واحد، ودّع الأب صغيرته بفستان زفافها الأبيض الأنيق ووجها المستدير المحبّب وبسمتها التي تنوّره. ودّعها ونظر طويلاً إلى عريسها كأنّه يوصيه: "خلّي بالك من زوزو".


دلالات

المساهمون