موسم التشرّد إلى الشمال

موسم التشرّد إلى الشمال

05 مارس 2017
الأوضاع في غاية السوء (دان كيتوود/Getty)
+ الخط -
الجوع والفقر والحروب المتواصلة في جنوب السودان شرّدت مواطني الدولة الحديثة الإنشاء باتجاه الشمال حيث البلد الأم، وغيره، لكنّ تلك الرحلة دونها مخاطر تودي بالحياة أحياناً

طوال أكثر من شهر، أكل دينق وأسرته الصغيرة أوارق الشجر لسدّ جوعهم. فشل تماماً في تأمين لقمة العيش بعدما فقد وظيفته بسبب الحرب الأهلية التي اندلعت في دولة جنوب السودان منذ أكثر من ثلاثة أعوام. تنقّل دينق وأسرته من مكان إلى آخر بحثاً عن الأمن والأمان إلى أن انتهى بهم الحال أخيراً في السودان بعد قطعهم مئات الكيلومترات مشياً، وإمضائهم أياماً وليالي في الغابات وسط الوحوش.

في تلك الرحلة القاسية فقد دينق ابنته ناتالي (3 أعوام) بسبب الجوع والإرهاق، شأنها شأن مئات آخرين رصدهم دينق وأصحابه في رحلتهم. يقول لـ"العربي الجديد": "هربنا من الجوع بالآلاف من منطقة سيري ملاقا، جنوب مدينة راجا. سلكنا طريقاً مختلفاً للوصول إلى دارفور، بعد علمنا بسيطرة قطّاع طرق على الطريق المعروف المختصر في منطقة مجوك. لكنّ الطريق الذي سلكناه كان باختصار طريق الموت".

يشرح: "أمضينا أياماً وليالي من دون طعام أو ماء. وفي بعض الأحيان كنا نأكل من الأشجار والثمار في الغابات والصحراء، ونستخرج الماء من الأرض أو نعتمد على بعض النباتات التي تُذهب العطش". يتابع: "في رحلتنا تلك فقدنا أكثر من 380 شخصاً بسبب الإعياء والجوع. بعضهم كان مصاباً بسوء تغذية حاد، فجفّ جسده، وآخرون أنهكتهم الحمّى وأودت بحياتهم سريعاً". يؤكد أنّ معظم الوفيات كانت بين الأطفال وكبار السن.

قصة دينق واحدة من آلاف القصص المأساوية لمواطنيه، إذ تعيش دولة جنوب السودان كارثة حقيقية، فقد أعلنت حكومتها، الشهر الماضي، عن انتشار المجاعة في عدد من مناطقها، فضلاً عن توقعات بتعرض نحو خمسة ملايين نسمة إلى خطر المجاعة خلال الفترة المقبلة. وتوقعت الحكومة في جوبا ومنظمات دولية أن يواجه نحو 4.9 ملايين خطر انعدام الأمن الغذائي خلال الفترة من فبراير/ شباط الماضي إلى أبريل/ نيسان المقبل على أن يرتفع العدد في يوليو/ تموز إلى نحو 5.5 ملايين شخص.

وتشهد دولة جنوب السودان حرباً أهلية، منذ منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2013. وقد قتل في هذه الحرب أكثر من عشرة آلاف شخص وشرد نحو مليونين ونصف مليون، وفقاً لإحصائيات منظمات دولية. ودخلت الدولة التي انفصلت عن السودان عام 2011 في وضع إنساني سيئ أدى إلى إعلان المجاعة أخيراً.

ولا يقتصر الجوع على الجنوبيين في دولتهم، بل خارج الحدود أيضاً، إذ يعاني اللاجئون في مخيمات أوغندا وكينيا من ضعف القدرة على توفير الطعام والخدمات، ويشتكون من نقص المياه وخيم الإيواء. تقول الناشطة الجنوب سودانية ماري، إنّها شهدت على مأساة امرأة جنوبية فقدت ثلاثة من أطفالها في مخيم في كينيا بسبب الجوع. تشير الناشطة إلى افتقار المخيمات هناك إلى أدنى مقومات الحياة: "في مخيمات كينيا يمنح اللاجئ نحو كيلو من الذرة لمدة شهر كامل من دون أي إضافات، فكيف سيتدبر أمره؟". كذلك، تؤكد أنّ الأوضاع الصعبة نفسها تشهدها مخيمات أوغندا.

داخل جنوب السودان يؤثر ارتفاع أسعار العملات الصعبة الكبير على مختلف جوانب الحياة، إذ ارتفعت أسعار السلع بشكل غير مسبوق. يقول جون، وهو مدرّس من جنوب السودان: "نسينا منذ أشهر السوق وما فيها. لا أذكر المرة الأخيرة التي اشتريت فيها خضراً أو لحماً من هناك. راتبي لا يكفيني، نعيش يوماً بيوم، ففي يوم نأكل وجبة واحدة، وفي ثلاثة أيام لا نأكل إلاّ الفتات. وكثيراً ما نعدّ طعاماً بسيطاً من ماء ودقيق وملح". يتابع: "الوضع دخل في مرحلة صعبة جداً ولا ندري متى سنخرج منها...؟ الكلّ في الجنوب يعاني، فإذا كان راتب عضو برلماني عشرة آلاف جنيه، أي أقلّ من 100 دولار أميركي، فما بالك براتب مدرّس لا يساوي 1 في المائة من راتب البرلماني؟".

وفي البلد الأم ما قبل الانفصال، السودان، بدأ المواطنون بالتفاعل مع أزمة الجنوب. وتبرز عدة مبادرات لإغاثة الجنوبيين. كذلك، ينادي عدد من المعلقين في الصحف عبر أعمدتهم بغوث الجنوبيين ومقاسمتهم الرزق، باعتبارها خطوة ضرورية بالنظر إلى التاريخ والروابط المشتركة بين البلدين، على الرغم من الضائقة الاقتصادية التي يعيشها السودان.

على الصعيد الرسمي، أعلن تحالف قوى المعارضة السودانية عن تشكيل لجنة وطنية قومية لإغاثة الجنوبيين. كذلك، وجّه الرئيس السوداني، عمر البشير، بفتح المعابر أمام منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لإرسال المساعدات الإنسانية إلى الجنوب عبر السودان، فضلاً عن "فتحها أمام الدول الصديقة والشقيقة في إطار حرص الخرطوم على إنجاح الحملة الدولية والإقليمية لإغاثة الجنوبيين"، بحسب البيانات الرسمية. كذلك، أكدت وزارة الخارجية السودانية توجيهات أصدرها البشير بتقديم مساعدات إنسانية للجنوب.

وأعلن مفوّض العون الإنساني (تابع لوزارة الرعاية والضمان الاجتماعي) أحمد محمد آدم، عن لجوء نحو 13 ألف جنوبي لولاية جنوب كردفان، خلال الأيام القليلة الماضية، مع توقعه المزيد منهم. وأكد أنّ السودان استقبل نحو نصف مليون جنوبي منذ بدء الحرب.

المساهمون