مثلّث ماسبيرو... السكان يرفضون إخلاء منازلهم

مثلّث ماسبيرو... السكان يرفضون إخلاء منازلهم

31 مارس 2017
أين سيذهبون؟ (العربي الجديد)
+ الخط -
"لصالح من يجري تفريقنا وإخراجنا من مسقط رأسنا؟ نحن لن نترك شبراً من أملاكنا، ولن نتفاوض مع أحد على ترك منازلنا وثرواتنا في هذه المنطقة". هكذا يبدو فتحي صابر مصرّاً على البقاء في مثلّث ماسبيرو

رفض سكان منطقة "مثلّث ماسبيرو" في وسط القاهرة، الممتدة من خلف مبنى وزارة الخارجية على كورنيش النيل ومبنى الإذاعة والتلفزيون حتى ميدان التحرير، رسمياً التوقيع على طلبات وزارة الإسكان المصرية بإخلاء عقاراتهم بزعم تطويرها. في هذه المنطقة التي تتجاوز مساحتها 50 فداناً، يقيم أكثر من 18 ألف مواطن يمتهن عدد كبير منهم حرفاً وأعمالاً بسيطة، لكسب قوت يومهم. كذلك نجد أكثر من ألف محل تجاري وورشة عمل، معظمها في مجال ميكانيك السيارات.

وكانت وزارة الإسكان المصرية بالتعاون مع محافظة القاهرة قد وزّعت على السكان استمارة للتوقيع بهدف إخلاء مساكنهم القائمة في منطقة شعبية وقابلة للانهيار في أيّ وقت، بحسب تبريرات الجهات المعنيّة. وقد وضعت الحكومة لهؤلاء بدائل عدّة، كلّها "أمرّ من التاني" بالنسبة إليهم، لا سيّما في ظل الظروف الاقتصادية الخطيرة التي يعيشونها. فسكان تلك المنطقة هم من الفقراء ومحدودي الدخل. وجاءت الاستمارة تحت عنوان "استمارة رغبات الشاغلين فقط بمنطقة مثلث ماسبيرو" في حي بولاق، متضمّنة ثلاث رغبات. الأولى موافقة الأهالي على وحدة سكنية بديلة خارج المنطقة بالإسكان الاجتماعي في مدينة بدر أو 6 أكتوبر أو العبور، ويكون في إمكانهم تسديد فارق التعويض المادي على أقساط. والثانية موافقة الأهالي على وحدة سكنية بديلة في المنطقة نفسها مساحتها 50 متراً مربعاً لقاء 600 ألف جنيه مصري. أمّا الرغبة الثالثة فهي حصول الأهالي على تعويض مادي فقط، ليبحثوا بأنفسهم عن وحدات سكنية بديلة في أيّ مكان.

المنطقة المستهدفة (العربي الجديد) 



الأهالي رفضوا كلّ خطط الحكومة، مؤكّدين على أنّها إجراءات تعسفية وضغط على السكان لترك المنطقة، كما حدث من قبل مع سكان العقرب في حيّ السيدة زينب على سبيل المثال لا الحصر. وأشاروا إلى أنّ سعر المتر المربّع الواحد في منطقة ماسبيرو يقدّر بآلاف الجنيهات، وهي بالتالي مطمع رجال الأعمال والشركات منذ عشرات السنين، بهدف إقامة فنادق وأبراج سكنية تقدّر بمليارات الجنيهات، في مقابل "حفنة من الجنيهات للسكان" الذين يعيشون في تلك المنطقة منذ مئات السنين. ويقول الأهالي إنّ ما يحدث معهم هو تهجير، لافتين إلى أنّهم لن يتحملوا أيّ أعباء اقتصادية أخرى، مطالبين بالبقاء في مساكنهم مع القبول بإعادة التجديد، من دون الانتقال إلى مساكن بديلة.

عيون على "الكعكة"
على الرغم من رفض الأهالي، إلا أنّ قرار الإخلاء سوف ينفّذ من قبل وزارة الإسكان بالتعاون مع محافظة القاهرة، بحسب ما قالت مصادر مسؤولة لـ "العربي الجديد"، موضحة أنّ "الحكومة الحالية عازمة على المضيّ قدماً بتنفيذ مخططها وإخلاء المنطقة وتسليمها لكبار المستثمرين. بذلك تخلي قلب القاهرة من سكّانه الفقراء، خصوصاً أنّ الحكومة ترى فيها منطقة عشوائية كبيرة واقعة خلف وزارة الخارجية". وأشارت المصادر نفسها إلى أنّ شركات استثمارية كبرى ورجال أعمال تقدموا بطلبات أمام النظام للحصول على "الكعكة"، من مساحة تلك الأرض، في مقابل توفير مناطق سكنية لأصحابها. وأوضحت أنّ "ضغوط الحكومة مستمرة، وهي سوف تبدأ خلال أيام بقطع التيار الكهربائي والمياه وغلق المدارس في تلك المنطقة كوسائل ضغط على تفاوض السكان مع الحكومة".

استمارة التعويضات المقترحة (العربي الجديد) 


في سياق متصل، أعلنت منظمات حقوقية عدّة في الداخل والخارج تضامنها الكامل مع سكان مثلّث ماسبيرو، رافضة نظام التهجير الذي تتخذه الحكومة ضدّ مناطق سكنية معينة، في حين يعيش الآلاف في مناطق غاية في الخطورة وهم في حاجة إلى من يمدّ لهم يد العون. لكنّ تلك المناطق بعيدة عن المناطق الاستراتيجية وليست مطمعاً للحكومة. فأعلنت "المؤسسة المصرية للحق في التنمية" تضامنها الكامل مع السكان من ضحايا عمليات الإخلاء القسري، مؤيّدة بالكامل مطالب سكان مثلث ماسبيرو، المتمثلة في رفض أيّ شكل من أشكال التهجيرأو الإخلاء القسري. وطالبت المؤسسة الجهات المعنية بالالتزام بنص المادة الثانية من الإعلان العالمي للحقّ في التنمية، وبمشاركة الأهالي في وضع خطط تطوير المنطقة، بما يحفظ حقوقهم كلها، وذلك عملاً بحقهم في المشاركة في التنمية والتطوير. وطالبت كذلك بوقف كل أشكال التهديد الإعلامي بهدم المنطقة وكل أشكال التعسّف ضد سكان مثلّت ماسبيرو، وبالحفاظ على الطبيعة التاريخية والتركيبة السكانية للمنطقة.

وناشدت المؤسسة كل الجهات المسؤولة في الدولة، وقف عمليات الإخلاء القسري إلا في حالات الخطورة، مع مراعاة المعايير الحقوقية الدولية في حالة الإخلاء الناتج عن خطر. وطالبت بلجان حصر تتمتع بالمصداقية العلمية والشفافية، يشارك فيها أهالي الحي والمؤسسات الأهلية الموجودة في الحي، عملاً بمبدأ الشفافية.

ثورة جديدة؟
من جهته، يقول مؤسس "رابطة شباب مثلّث ماسبيرو" سيد شعلان إنّ "الحكومة تهدّد فقراء المنطقة بالطرد وتعبث بالدستور والقانون اللذَين وضعتهما. ليس من حقها تهديد المواطنين بتهجيرهم من مساكنهم". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّها "تقدّم عروضاً هزيلة. فمنطقة مثلّث ماسبيرو مطمع للحكومة وأعوانها إذ هي منطقة استراتيجية واقعة على كورنيش النيل، بهدف تحويلها إلى مناطق ترفيهية وسياحية ومكاتب إدارية وخدمية. من شأن ذلك إدخال كثير من المال، باعتراف مسؤولين كبار في الحكومة". ويحذّر شعلان من أنّ "أهالي المنطقة كان لهم دور فعال في ثورة 25 يناير، لقربها من ميدان التحرير. ومن الممكن أن يقوموا بثورة أخرى فيقطعون الطرقات ويتسببون في حالة شلل في القاهرة، في حال عمدت الحكومة إلى طردهم". ويوضح أنّ "محافظة القاهرة ترفض أن يجري المواطن هنا أيّ تعديلات على مسكنه. كذلك فإنّ أكثر من 70 في المائة من مساكن تلك المنطقة في حالة جيدة، وتتألّف من أكثر من خمس طبقات. لكنّ الحكومة تريد إزالة المنطقة بالكامل، وهذا ظلم كبير".

تجدر الإشارة إلى أنّ أيّ زائر للمنطقة سوف يشعر منذ الوهلة الأولى أنّ سكانها أسرة واحدة، من خلال الترابط بين بعضهم بعضاً. فالمنازل صغيرة ومتلاصقة والشوارع ضيقة، بالإضافة إلى صلات النسب. وهم يتشاركون أفراحهم وأحزانهم، ويرفضون أيّ شخص يفرض عليهم الفرقة حتى ولو كان ذلك النظام الحاكم. وقد عبّر بعض منهم لـ "العربي الجديد" عن استيائهم بسبب إصرار الحكومة على تهجيرهم من خلال صرف تعويضات وصفوها بـ"الهزيلة" أو النقل إلى أماكن بعيدة لا تصلح للسكن. إلى ذلك، انتشرت على جدران المنازل شعارات من قبيل "تطوير البشر قبل الحجر" و"لا للتهجير نعم للتطوير" و"السكن حق لا مكرمة" و "أين التطوير إحنا مش ماشيين".


لن نترك بيوتنا
ولأنّ سكان المنطقة من أصحاب الدخل المنخفض، فإنّ الانتقال إلى الأسمرات في مدينة المقطم مرفوض بسبب أسعار الوحدات فيها، بالإضافة إلى بُعدها إذ تقع على أطراف العاصمة. كذلك، فإنّه من الصعب توفير مصادر للرزق هناك مشابهة لما لهم في ماسبيرو، من دون الإشارة إلى تكلفة المواصلات العالية في حال الانتقال اليومي من الأسمرات وإليها. فهي منطقة "شبه معزولة"، بحسب قولهم.

معتز جمال صاحب مقهى وهو من قاطني مثلث ماسبيرو، يقول: "منذ صغرنا ونحن نسمع أنّ هذا المكان سوف يهدم، لذلك منعوا تجديد أيّ منزل أو إجراء أيّ إصلاحات فيه. ومن يخالف هذه التعليمات يُغرّم مالياً. ونحن نعيش في قلق وعدم استقرار والسبب في ذلك هو الحكومة". أمّا محمد شاكر وهو مكوجي، فيقول: "أقطن منطقة المثلث منذ 40 عاماً، ولا نوافق على النقل أو صرف تعويضات ضعيفة"، مشيراً إلى أنّ "سعر المتر في حال تسوية المكان بالأرض يزيد عن مائة ألف جنيه. وكثيرون هم المستثمرون الساعون إلى الاستيلاء على المنطقة وإقامة مشروعات ضخمة فيها".

(العربي الجديد) 


من جهته، يرى شوقي محمد وهو صاحب ورشة سيارات، أنّ "المنازل لا تستوجب كلها الهدم، وبعضها يحتاج إلى الترميم. لكنّ الحكومة حطّت عينها على المكان والمقابل فلوس هزيلة للسكان. نحن سوف نصعّد احتجاجاتنا للحصول على مستحقاتنا قبل أي إجراء من جانب الحكومة". ويؤكّد في السياق فتحي صابر وهو صاحب سوبر ماركت، أنّ "ظروفنا الصعبة لن تدفعنا إلى ترك بيوتنا، لأنّنا لن نجد أنفسنا في غير مكان ولادتنا، بالإضافة إلى تعطيل مصالحنا وأعمالنا".