خريجون سعوديون... اختصاصات بلا قيمة في سوق العمل

خريجون سعوديون... اختصاصات بلا قيمة في سوق العمل

30 مارس 2017
هل سيجدان عملاً بعد التخرج؟ (عمر سالم/ فرانس برس)
+ الخط -
نحو نصف مليون خريج في السعودية لا يستفيدون مما تعلموه في الجامعة في حياتهم المهنية. هؤلاء من أصحاب الاختصاصات التي لا تلائم سوق العمل. فهم إما عاطلون من العمل أو يعملون في غير اختصاصهم. المشكلة الكبرى أنّ عددهم يتزايد عاماً بعد عام

يواجه مئات آلاف الخريجين السعوديين الذين يحملون الشهادة الجامعية والفنية مشكلة حقيقية مع البطالة، من دون وجود فرص واعدة لتوظيفهم في اختصاصاتهم كونها ببساطة لا تتفق مع سوق العمل. هذه الفجوة بدأت تتسع منذ عقدين من دون تحرك حقيقي من وزارة التعليم العالي (قبل دمجها مع وزارة التعليم) لردمها. ومع تواصل ضخ الجامعات أكثر من 70 ألف خريج سنوياً في اختصاصات غير مرغوبة، أو سبق لسوق العمل إعلان اكتفائه منها، تتزايد أعداد العاطلين من العمل، فيما تتزايد أعداد من يتجاهلون كلّ ما تعلموه، ويعملون فقط بشهادتهم الثانوية، لأنّ كلّ ما تعلموه في سنوات الجامعة الخمس، لم تكن له حاجة حقيقية.

بحسب أرقام هيئة الإحصاء الحكومية، يشكل عدد الجامعيين العاطلين من العمل أكثر من 54 في المائة من عدد السعوديين في حالة البطالة. هذا الوضع دفع وزير التعليم الدكتور محمد العيسى الذي ورث تركة ثقيلة من وزارة التعليم العالي بعد دمج الوزارتين معاً قبل نحو عامين، إلى التفكير في إلغاء عشرات الأقسام غير الضرورية، واستبدالها بأقسام جديدة، لكنّ الضرر كان قد وقع بالفعل، فهناك نحو نصف مليون طالب لا يستفيدون بشيء مما تعلموه. وإلى حين تطبيق الجامعات التحديثات قد يتجاوز العدد مليون خريج.

يحمّل الاختصاصي في التوظيف، وأستاذ علم الإدارة السابق الدكتور موفق الشريدة، مسؤولية ما يحدث من تباعد بين مخرجات الجامعات والاحتياجات الحقيقية في سوق العمل، إلى الجامعات أولاً التي لم تحدّث مناهجها بالشكل المناسب. يقول لـ"العربي الجديد": "يعلم عميد كلية الآداب أنّ 320 خريجاً من قسم التاريخ ومثلهم من الجغرافيا يزجّ بهم كلّ عام في السوق لن يجدوا عملاً، فمن تخرّج قبلهم بعشر سنوات ما زال ينتظر تعيينه مدرّساً، فالتدريس هو القطاع الوحيد الذي يستوعبهم. مع ذلك، ما زالوا يقبلون الطلاب في هذه الأقسام، بهدف زيادة عددهم للحصول على الاعتمادات المالية لا أكثر".

يتابع شريدة: "الجامعات هي المسؤولة عن كلّ الخلل الحاصل الآن، لكن حتى لو عملت على إصلاح ذلك، فمن يتحمل مسؤولية عقود من الزمن ازدادت فيها الفجوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل؟ ومن يعوّض الطلاب والطالبات الذين دُفعوا إلى الدراسة في اختصاصات تقودهم في النهاية إلى البطالة"؟

يشدد الشريدة على الحاجة الفعلية إلى موازنة المعادلة بين التعليم الجامعي واحتياجات سوق العمل، عبر التخلص من بعض الاختصاصات غير المجدية. مع ذلك، يؤكد أنّ المشكلة لا تنحصر هنا فقط، فسوق العمل نفسه يعاني من اختلال، بسبب سيطرة العمالة الوافدة عليه: "ليس أمام السعودي سوى إكمال تعليمه الجامعي، لأنّه لن يستطيع التغلب على العمالة الأجنبية الرخيصة. وبالتالي، هو يحاول أن يؤجل التحاقه بطابور البطالة عبر التعليم، لا أكثر".

تمتلئ الجامعات السعودية بالكليات الأدبية والنظرية التي لا فرص عمل أمام اختصاصاتها، فليس من الممكن استيعاب أكثر من 5 في المائة فقط من الخريجين سنوياً، خصوصاً من الأقسام الدينية والتاريخية، والجغرافيا، واللغة العربية. فالقطاع الوحيد المفتوح أمامهم هو التعليم الذي باتت الفرص فيه نادرة إلى حدّ أنّ من تخرج عام 2016 لن يجد وظيفة في التعليم حتى عام 2026.

بدورها، اعترفت وزارة العمل بالتقصير في هذا الجانب قبل ثلاث سنوات. وشددت على لسان وزيرها السابق عادل فقيه - الذي بات وزيراً للاقتصاد والتخطيط حالياً- على أنّ اتساع الفجوة بين مخرجات التعليم الجامعي والتدريب التقني والمهني من جهة والحاجات الفعلية في سوق العمل ومختلف الأنشطة الاقتصادية من جهة أخرى يشكل أبرز تحديات سوق العمل. لكن، منذ ذلك الحين لم تتخذ خطوات جدية للتصحيح.

يشدد الاختصاصي في الموارد البشرية الدكتور موسى بوبشيت على أنّ الأرقام المخيفة للبطالة لا تعني بالضرورة أنّ السعودية تعاني من أزمة بطالة، بل تعاني في الأساس من أزمة مخرجات تعيين. فالوظائف متوفرة لكن لا تجد المؤهل لها. يقول لـ"العربي الجديد": "المؤكد أنّ لدينا خللاً في سوق العمل، وهذا ما تكشفه معارض التوظيف التي تنظم في أغلب المدن السعودية، فشركات كثيرة تطرح فرصاً وظيفية واعدة لكن لا تجد من يتقدم إليها، لأنّ الاختصاصات المعروضة ليس عليها طلب في سوق العمل". يتساءل: "ما الذي ستفعله شركات متخصصة في التقنية بخريج قسم التاريخ، أو العلوم الدينية"؟ ويعلّق: "لا بد من الاعتراف أمام أنفسنا أنّ هناك خللاً حقيقياً في سوق العمل، وعدم الارتباط بين المتطلبات التعليمية وسوق العمل، وهو خلل يقود في نهاية المطاف إلى البطالة، لأنّ قاعدة السوق لا تستوعب مخرجات التعليم".

تحاول وزارة التعليم بالتعاون مع وزارة العمل ابتكار حلول للمشكلة التي تضخمت في السنوات العشر الماضية حتى بات حلها يتطلب تدخل عشرات الجهات، وسنوات طويلة من العمل. لكنّ هذا الاتجاه يبدو كارثياً، إذ يريد وزير التعليم إغلاق الأقسام الأدبية، من دون إيجاد بديل علمي لها، ويريد وزير العمل تقليص قبول الطلاب في الجامعات إلى النصف، وتحويل البقية إلى المعاهد التقنية والمهنية.

في هذا الإطار، يعتقد الناشط الحقوقي علي الخطاب أنّ "هذه الأفكار سطحية جداً، ولا تعالج المشكلة الحقيقية، فهي تعتمد على تقليل عدد الخريجين بدلاً من جعلهم أكثر تأهيلاً، وبالتالي سيصبح لدينا عاطلون من العمل بشهادات متدنية، بدلاً من عاطلين بشهادات جامعية". يقول لـ"العربي الجديد" :"أكثر من 72 في المائة من المسجلين في برامج إعانة البطالة هم من الجامعيين... نحن في حاجة إلى اختصاصات متنوعة وجديدة، لكن لكي نقوم بذلك بالوجه الصحيح لا بدّ من أن تكون لدينا قاعدة معلومات واسعة عن احتياجات سوق العمل للسنوات المقبلة، وعندها سيكون من السهل على الجامعات أن تهيئ أقسامها لتلبية تلك الاحتياجات".


المساهمون