كردستان العراق يحتضن النازحين أحياءً وأمواتاً

كردستان العراق يحتضن النازحين أحياءً وأمواتاً

30 مارس 2017
مقابر النازحين العرب في كردستان العراق (فيسبوك)
+ الخط -
لم يدُر في خلد كثير من النازحين إلى إقليم كردستان العراق، منذ مطلع 2014 حين اشتدت المعارك في مناطقهم، أنهم لن يعودوا إلى مدنهم مرة أخرى وإلى الأبد، فيما كانت آمال العودة لا تفارقهم.


الحال نفسه مع من عادوا إلى مدنهم "المحررة"، إذ لم يفكروا في أنهم سيتركون ذكرياتهم في كردستان ليعودوا إليها مجدداً لزيارة مقابرها التي ضمّت رفات عشرات من ذويهم الذين سبقت الأقدار عودتهم إلى مدنهم.

وأوضح ناشطون لـ"العربي الجديد"، أن كثيراً من النازحين قضوا نحبهم في إقليم كردستان، ولم يكن بمقدور ذويهم نقل جثامينهم لدفنها في مدنهم التي كانت مشتعلة بالمعارك، فدفنوهم في مقابر الإقليم.


وقال الناشط عمر الأنباري، إن "كثيراً من النازحين في محافظات أربيل والسليمانية ودهوك تُوفوا ودُفنوا فيها، فيما كانت أحلام العودة إلى مناطقهم تراودهم ليل نهار. كان الإخوة الأكراد في المدن والقرى المختلفة يقفون مواقف مشرفة لذوي النازحين المتوفين ويساندونهم".

ويتابع الأنباري "أصبحت قبور النازحين في كردستان أمراً مألوفاً، إذ دفن فيها عشرات بل ربما مئات النازحين الذين تُوفوا هناك ولم تكن الظروف الأمنية تسمح بنقلهم لدفنهم في مدنهم، فضلاً عن العلاقات الاجتماعية القوية التي تربط العرب والأكراد".


ورغم عودة كثيرين إلى مدنهم المحررة من كردستان، لكنهم بين آونة وأخرى يعودون لزيارة قبور ذويهم الذين توفوا ودفنوا هناك، كما يفعل حازم الدليمي (39 سنة)، من أهالي الرمادي، والذي نزح إلى أربيل منتصف 2015، وبعد شهور توفي والده فدُفن في مقابر أربيل.


يقول الدليمي لـ"العربي الجديد": "النزوح مؤلم، ولكن أن تفقد أحد أفراد أسرتك وتدفنه بعيداً عن ديارك هو أمر مؤلم أكثر، وهذا ما حصل بعد وفاة والدي في أربيل. دفنته هناك مع عشرات النازحين الذين تُوفوا في الإقليم".

ويضيف "ارتبطتُ بكردستان روحياً، ولم أعد أطيق الابتعاد عنها، خاصة أن والدي مدفون فيها، ولذلك أزور أربيل كل فترة لزيارة قبر والدي، وزيارة أصدقائي وجيراني الأكراد الذين وقفوا معي في رحلة النزوح المريرة".

وتضم مقابر شقلاوة وحرير وأربيل ودهوك والسليمانية رفات عشرات النازحين، وأصبحت لافتات نعي النازحين فيها مشهداً مألوفاً على شواهد قبورها ومجالس العزاء في مساجدها وشوارعها.

فائق المحمدي (54 سنة) نازح من الفلوجة، عاش في السليمانية ثلاث سنوات تقريباً، ثم عاد إلى مدينته مؤخراً، يقول "تُوفيت والدتي ودفنتها في مقابر السليمانية، وأصبحت مرتبطاً بتلك المدينة الجميلة التي عشت فيها ثلاث سنوات. كلما تسنح لي الفرصة أزور قبر والدتي في السليمانية لأستذكر عند قبرها اللحظات التي كانت تقول لي فيها: يا ولدي متى نعود إلى الفلوجة؟ لم تكن تعلم أنها لن تعود إليها أبدا".


ويقول الباحث الاجتماعي مؤمن العاني، وهو أحد النازحين الذين عاشوا في كردستان نحو سنتين، "أصبح ارتباط النازحين بكردستان روحياً، كما نشأت علاقات صداقة قوية بين العرب والأكراد، وعلاقات مصاهرة بين الأسر العربية والكردية".

ويضيف العاني لـ"العربي الجديد"، "كثرة النازحين الذين تُوفوا ودُفنوا في مقابر كردستان يعني، في علم الاجتماع، أنه ستستمر زيارة العرب لقبور ذويهم في الإقليم، وهذا يعني مزيداً من تعزيز العلاقات الاجتماعية".

المساهمون