مضايا وبقين والزبداني... إما التهجير وإما الخضوع والتجنيد

مضايا وبقين والزبداني... إما التهجير وإما الخضوع والتجنيد

29 مارس 2017
حصار وقصف وتهجير في مضايا (فرانس برس)
+ الخط -
يقبع أكثر من 40 ألف مدني تحت الحصار في مضايا وبقين والزبداني بريف العاصمة السورية دمشق، عقب تجدد الحديث عن اتفاق جديد بين "جيش الفتح" وإيران، والمحاصرون أمام خيارين، فإما التهجير إلى شمال سورية، وإما الرضوخ للعيش تحت سطوة النظام.


وليس التهجير جديدا على المحاصرين، فقد سبق الحديث عنه أكثر من مرة، آخرها خلال تهجير أهالي حلب الشرقية نهاية العام الماضي، بعد سنوات عاشوا خلالها ما لا يمكن تصوره من موت ودمار وجوع لتحقيق حلم راودهم في بدايات عام 2011 بوطن يصون كرامتهم وحريتهم.

وتضم قوائم التهجير الناشطة في مضايا، أم محمد الزبدانية، كما تلقب نفسها، والتي قالت لـ"العربي الجديد": "وضعت اسمي على قوائم التهجير إلى الشمال أيام تهجير أهالي حلب الشرقية، حيث كان مفترضا أن نكون جزءا من عملية التهجير، لكن لأسباب لا أعرفها تم تعليق القرار، حينها كان عدد المهجرين نحو 1500 شخص، وبعد التواصل مع الروس والإيرانيين تم رفع العدد إلى 2500 شخص، واليوم يقال إن العدد مفتوح، ولكن لا أحد يعلم شيئا، فلم يصلنا شيء رسمي".

وأوضحت "لم يخطر على بالي عام 2015، عندما أرسلت أبنائي إلى لبنان، والتحقت بزوجي في مضايا، أنه سيأتي يوم وتكون فرصتي الوحيدة في المحافظة على حياتي ورؤية أبنائي هي الرضوخ للتهجير"، مضيفة "في 2015 عندما بدأ حزب الله وقوات النظام تجميع العائلات النازحة من الزبداني في مضايا، كان همنا أنا وزوجي: كيف يمكن أن نساعد هذه العائلات، وخاصة استمرار تعليم الأطفال وتخفيف آثار الحصار الجزئي حينها، والقنص والقصف بين وقت وآخر".

وتتابع "الأوضاع تدهورت بشكل متسارع مع الحصار الخانق والقنص والقصف المتواصل، ففي الشهور الأربعة الأخيرة لم نستطع مغادرة المنزل، وحتى الحركة داخل المنزل كانت بحذر شديد، جراء القنص ورشقات الرشاشات الثقيلة، إضافة إلى النقص الشديد في المواد الغذائية. لم أعد أحتمل العيش تحت هذا التعذيب اليومي، كما أنني اشتقت لأبنائي كثيرا، ابنتي تزوجت قبل فترة ولم أكن معها. الأمر في غاية القسوة".

وتفكر أم محمد، بكل السبل التي توصلها إلى أبنائها، حيث تفكر في الخروج من البلاد فور الوصول إلى الشمال والذهاب إلى تركيا. هي لا ترغب أن تعيش في إدلب، في وقت لا يغيب عنها سؤال لا تجد له إجابة "هل سيأتي يوم ونعود إلى الزبداني، أم سنصبح كالنازحين الفلسطينيين الذين يحلمون منذ 70 عاما بالعودة"؟

وفي مدينة الزبداني، ينتظر أقل من 160 مقاتلا محاصرين في كيلومتر مربع واحد، مصيرا مجهولا ينتظرهم، وهم أخر من رفض الخروج من المدينة، كانوا يحلمون بالبقاء فيها أحياء أو أمواتا. اليوم ينطبق عليهم المثل الشعبي القائل "مثل البالع الموس على الحدين"، بحسب رئيس الهيئة الطبية في الزبداني، عامر برهان.

ويعود الحديث عن التهجير، بينما كثير من شباب الزبداني لم يلتقوا بعائلاتهم منذ سنوات، في حين يحتاج عدد منهم للعلاج، ورغم أن قرار التهجير صعب. لكنه يعطيهم فرصة جديدة لمتابعة حياتهم.

وقال الناشط المدني في مضايا، حسام محمود، لـ"العربي الجديد"، إن "المحاصرين اليوم في مضايا وبقين، يعيشون حالة اكتئاب أشد من تلك التي عاشوها عام 2015، في ظل الحصار والجوع والقنص والقصف والموت والمرض. هم أمام نارين، نار التهجير وترك أرضهم وأهلهم، ونار البقاء تحت سلطة النظام، فقد يتعرضون للاعتقال أو إجبار الشباب على القتال في قواته، فالمجهول الذي ينتظرهم في الخيارين يجعلهم حائرين أمام الشرين".

وتابع محمود "المشكلة الكبرى أن هذه الخيارات لم يكن المحاصرين من وضعها أو حتى شاركوا في الوصول إليها. كان الله بعوننا، فمضايا وكل من هو محاصر داخلها من أهلها وأهالي الزبداني الذين فقدوا مدينتهم رغم كل التضحيات التي قدموها منذ بداية الثورة، ليسوا إلا ورقة للمساومة في أروقة السياسة الإقليمية".

وقالت مصادر أهلية من مضايا، طلبت عدم ذكر أسمائها، إن "كثيرا من العائلات وخاصة الشباب يراودهم حلم الهجرة. تعبوا من سنوات القهر والحرب والحصار، وفي النهاية تركهم العالم يواجهون مصيرهم. البعض يريد الالتحاق بعائلاته في تركيا أو أوروبا، إضافة إلى عدد من المقاتلين الذين قد ينضمون إلى الفصائل العسكرية".

وسبق للنظام تهجير عشرات آلاف السوريين من حمص وريفها، وريف دمشق، وحلب، إلى مناطق المعارضة في الشمال، ضمن ما يسميها "تسويات".