المأزق مستمرّ... من المستفيد؟

المأزق مستمرّ... من المستفيد؟

27 مارس 2017
استقرّا في ألمانيا أخيراً رغم الأزمة (كارستن كول/ Getty)
+ الخط -
بعد عام على بدء العمل باتفاق اللاجئين بين تركيا والاتحاد الأوروبي، تأتي النتائج لصالح أوروبا أكثر منها لأنقرة والمهاجرين طالبي اللجوء أنفسهم

حقّقت دول الاتحاد الأوروبي كثيراً ممّا ابتغته من الاتفاق المبرم مع تركيا حول اللاجئين، وخفّف ضغط الأزمة الكثير عن مسؤولي تلك الدول، مع ما جاء في نصّ الاتفاق لجهة الحدّ من زيادة عدد الوافدين من المهاجرين طالبي اللجوء عبر تركيا إلى أراضيها، لتخفيف العبء عن دول الاتحاد ولإثبات قدرة العمل المشترك بين دولها والالتزام بمعايير أخلاقية أوروبية بهدف مساعدة جميع المهاجرين الذين يصلون إلى أراضيها.

تظهر التقارير بالأرقام أنّ الاتفاق حقّق مكتسبات كثيرة للجانب الأوروبي، إذ تراجع عدد الوافدين من 57 ألفاً و66 وافداً من مارس/ آذار 2016 إلى 26 ألفاً و940 وافداً في مارس/ آذار 2017، وذلك من السواحل التركية إلى الجزر اليونانية، إلى جانب تراجع عدد الغرقى منهم في مياه البحر الأبيض المتوسط. ويقول خبراء في شؤون الهجرة إلى أوروبا إنّ الاتفاق ليس وحده ما قلل من أعداد الوافدين إلى أوروبا من تركيا، بل إنّ دولاً كثيرة في البلقان رفضت على نحو متزايد طلبات الحماية ورفعت الأسوار عند حدودها، فيما لجأت دول مثل النمسا إلى وضع سقف لطلبات اللجوء وعمدت أخرى إلى تشديد قوانين اللجوء من بينها ألمانيا، بعدما قطع كثيرون رحلة محفوفة بالمخاطر عبر بحر إيجه في اتجاه أوروبا.

إلى ذلك، ما زال آلاف المهاجرين عالقين في الجزر وعلى أطراف أوروبا وفي مخيمات مثل موريا في ليسبوس اليونانية وفي مستودعات ومبان صناعية سابقة في العاصمة أثينا. يأتي ذلك وسط نقص في الإمدادات المختلفة لا سيما المواد الغذائية وكذلك الرعاية الطبية، وفي ظروف حياتية صعبة ومحبطة للغاية، إذ تفتقر مراكز استقبال المهاجرين بمعظمها إلى ما يليق بكرامة الإنسان. هذا الواقع، رأى فيه رئيس مركز أبحاث مبادرة الاستقرار الأوروبي جيرالد كناوس "عاراً على أوروبا"، مطالباً في حديث صحافي الاتحاد الأوروبي بتحمّل مسؤوليته لتحسين الوضع. وقد أكّد على أنّ "الاتفاق ليس قانونياً إنما هو التزام سياسي. وهنا يجب الحديث عن الإرادة السياسية لدى المسؤولين".

وهذا ما دفع بالسلطات اليونانية إلى رفع الصوت عالياً والشكوى قبل أشهر من تقاعس الدول الأوروبية الأخرى والتقصير في عملية إعادة التوطين، ومنها على سبيل المثال فرنسا. بحسب التقارير، سوف تكون باريس ملزمة باستيعاب 12 ألفاً و599 لاجئاً، إلا أنّ السلطات لم توافق حتى الآن إلا على 4170 لاجئاً فقط. من جهتها، النمسا مطالبة باستيعاب 1491 لاجئاً من اليونان، وهي لم تستقبل حتى الآن أيّ واحد. أمّا ألمانيا المطالبة باستيعاب 27 ألفاً و500 لاجئ، فهي لم تستقبل سوى 10 في المائة من هذا العدد. تجدر الإشارة إلى أنّ وزير الخارجية الألماني سيغمار غابريال حاول يوم الخميس الماضي (23 مارس/ آذار) خلال زيارة رسمية لأثينا، التخفيف من مخاوف اليونان، لافتاً إلى أنّ بلاده مستعدّة لبذل مزيد من الجهد وزيادة الدعم، من دون أن يخفي قلقه حول تزايد أعداد الواصلين أخيراً إلى جزر ليسبوس وكيوس ساموس ولاروس وخوس اليونانية.


وكان المفوض الأوروبي لشؤون الهجرة ديمتريس إفراموبولوس قد رفع الصوت عالياً في وقت سابق قائلاً "لا مزيد من الأعذار"، موضحاً أنّ 13 ألفاً و546 لاجئاً فقط أحضروا من إيطاليا واليونان إلى دول أوروبية أخرى. وشدّد على أنّ هذا الوضع غير عادي، مطالباً بتوزيع أعدد أكبر من اللاجئين على الدول الأوروبية. ولفت إلى ضرورة أن تكون ثمّة مساهمة حاسمة من قبل الأوروبيين في اتفاقية اللاجئين ويُصار العمل على إعادة التوطين من تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، قبل أن يحذّر في حديث لصحيفة بلجيكية الخميس الماضي، من وقوع كارثة في حال انهار الاتفاق مع تركيا. يُذكر أنّ منظمات دولية تشير في الوقت نفسه إلى أنّه في حال استمرّ الوضع على ما هو عليه مع زيادة في تقليص التقديمات، فإنّ ذلك من شأنه أن يمثّل وصمة عار تلطخ الضمير الجماعي لأوروبا.

في السياق، يشير خبراء في الشأن السياسي الأوروبي إلى أنّ جوهر الاتفاق لا يعمل بطريقة منتظمة اليوم، وتبيّن الأرقام أنّ 916 مهاجراً فقط أعيد إرسالهم إلى تركيا، ولم يحسم مصير بعض آخر حتى اليوم. يُذكر أنّ عدداً من هؤلاء لجأ إلى المحاكم اليونانية، بالإضافة إلى أنّ لدى اليونان صعوبة بتصنيف تركيا "بلداً آمناً". إلى ذلك، كان من المفترض أن يكلّف 400 موظف أوروبي لدعم زملائهم اليونانيين في التدقيق بملفات المهاجرين، لكنّ عشرات فقط سجّل نشاطهم لأشهر عدّة. وتفيد تقارير أخيرة بأنّ عدد الموظفين ارتفع إلى 100 موظف، موضحة أنّ النقص مردّه المهام الملقاة على عاتق موظفي المكاتب الاتحادية للهجرة واللجوء في دول أوروبية عدّة.

وحول التهديدات التي تطلقها السلطات التركية بالانسحاب من الاتفاق وبالتالي إغراق أوروبا مجدداً بآلاف المهاجرين طالبي اللجوء للضغط على الجانب الأوروبي في ملفات تؤرق الجانب التركي، يشير خبراء سياسيون أوروبيون إلى أنّ الجانب التركي سوف يتأثّر كذلك لأسباب عدّة. أوّلها أنّ أنقرة تريد تسهيل حصول مواطنيها على تأشيرات إلى أوروبا، ما يعني أنّ فرص دخول تركيا إلى الاتحاد ما زالت قائمة. كذلك فإنّ أنقرة هي التي اقترحت الاتفاق ولها مصلحة كبيرة في استمراره. يُضاف إلى ذلك أنّ عدد المهاجرين الذين يريدون الدخول إلى أوروبا تقلّص بنسبة كبيرة، لأنّ كثيرين منهم يعلمون جيداً أنّ الآلاف ما زالوا يعيشون في حالة مزرية في مخيمات اليونان وأنّ طريق البلقان أقفلت نهائياً وتحوّلت إلى نقطة انطلاق للمهاجرين إلى مصر وليبيا ومنهما إلى إيطاليا، فضلاً عن إغلاق السلطات التركية حدودها مع سورية وبالتالي عدم تخوّفها من وصول أعداد جديدة من طالبي اللجوء إلى المخيمات التركية، في حين أنّ المهاجرين في تركيا بدأوا يشعرون بنوع من الاستقرار بخلاف ما كان الوضع عليه في عام 2015.

في المقابل، يرى مراقبون آخرون أن ذلك بعيداً عن الواقع. والدليل أنّه بمجرّد تلويح تركيا بفضّ التزامها بالاتفاق نتيجة منع مسؤوليها من المشاركة في تجمعات انتخابية مؤيدة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أوروبا، وتراخي خفر السواحل التركية، وصل إلى اليونان أخيراً مهاجرون بأعداد مضاعفة بالمقارنة مع الفترة السابقة. وهو ما بيّنته اللجنة المكلفة إدارة أزمة اللاجئين في اليونان، موضحة أنّه خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي وصل إلى اليونان 362 مهاجراً غير شرعيّ عن طريق شرق بحر إيجه، فيما لم يكن العدد خلال الأسبوعَين الأوّل والثاني من مارس/ آذار الجاري يتجاوز 35 مهاجراً يومياً.

المساهمون