الأبناء الذكور عبء على العراقيين

الأبناء الذكور عبء على العراقيين

26 مارس 2017
اختارا حمل السلاح (حيدر هادي/ الأناضول)
+ الخط -
إذا ما كان في السوق، أو في المدرسة، أو خرج للقاء أصدقائه في الشارع، كثيراً ما يرنّ هاتف مثنى (17 عاماً). عادة ما تكون المتّصلة والدته. وهي قد تتّصل به أكثر من عشر مرّات في اليوم للاطمئنان عليه. تعزو ذلك إلى القلق والخوف من أن يحدث شيء لابنها في بلد غادره الأمان منذ أكثر من عقد.

حالُ أم مثنى لا يختلف عن حال أمهات أخريات، وقد تحوّل الأبناء الذكور إلى عبء على أسرهم. في هذا السياق، تقول المحامية أزهار العبيدي، لـ "العربي الجديد": "بعد الاحتلال الأميركي للعراق في عام 2003، تغيّرت أحوال البلاد كثيراً، وعادة ما تُستهدف التجمّعات التي يكثر فيها تجمّع الشبان. فقدنا كثيرين نتيجة التفجيرات والاعتقالات والخطف والقتل، خصوصاً أنّ الشبان لا يستطيعون البقاء في المنزل مدة طويلة. كثيراً ما يخرجون إلى الشارع ويجلسون في المقاهي، أو يتوجهون ببساطة إلى أعمالهم، وهذا ما يجعلنا نقلق عليهم بشكل مستمرّ".

بحزنٍ شديد، تروي أم أحمد، وهي من سكّان مدينة بعقوبة في محافظة ديالى شمال شرق بغداد، ما حدث مع صديقتها التي قتل ابنها سيّاف (16 عاماً)، بعدما خطف أثناء توجّهه إلى المدرسة. وفي وقت لاحق، تبيّن أنّ أصدقاءه خطفوه وساوموا أهله على دفع ديّة. وبعد دفع المبلغ المتّفق عليه، وهو 35 ألف دولار أميركي، انقطع الاتصال مع الخاطفين.

بعد أسابيع، اعتُقل الخاطفون، واعترفوا بأنّهم خطفوا وقتلوا سيّاف بعدما تعرّف عليهم، علماً بأنّه كان يتيماً إذ قتل والده في عام 2006. تضيف أم أحمد: "بعد هذه الحادثة، صرت أخاف كثيراً على ابني أنس (18 عاماً). أتصل به طوال الوقت للاطمئنان عليه، وأحذّره من أصدقائه وقد فقدت الثقة في الجميع". تتابع: "في بعض الأحيان، أتمنّى لو كان أنس فتاة، فأتمكّن من منعه من الخروج من المنزل".

من جهته، يقول المدرّس، مزاحم عمران (60 عاماً)، لـ "العربي الجديد": "بعدما رزقني الله بثلاث فتيات، تمنيت أن أرزق بصبي. وبعد مرور خمسة عشر عاماً على زواجي وسبعة أعوام على ولادة ابنتي الصغيرة ريم، رُزقت أخيراً بصبي، ولم أتخيّل أنّ الفرحة ستغمرني إلى هذا الحد". يضيف: "اليوم، أشعر بالخوف كلّما خرج من المنزل. لم أعد ووالدته قادرين على العيش بشكل طبيعي. بسببه، باتت حياتنا عبارة عن قلق دائم. فكّرت أن أرسله إلى بلد آمن، لكنّ والدته رفضت أن يبتعد عنها ابنها الوحيد". يتابع: "لأنّه الابن الوحيد، هذا يجعله أكثر عرضة للخطف. يعرف الخاطفون مدى تعلّق الأهل بابنهم الوحيد، الأمر الذي يزيد من قلقنا". الوالد يخشى أيضاً أن يحمل ابنه السلاح، كما فعل شباب آخرون، "لا نحتمل أن نسمع خبراً سيّئاً".



أمّا أم وائل، فتقول لـ "العربي الجديد": "حتّى لا يخرج ابني يوسف (10 أعوام) إلى الشارع، أشتري له كلّ ما يطلبه. مع ذلك، سرعان ما يشعر بالملل". تضيف أنه بعد تردّي الوضع الأمني، وبدء ظاهرة خطف الأطفال، خصوصاً الذكور، والمساومة على أرواحهم، بات همّ العائلات الوحيد هو كيفيّة حماية أبنائها. حتّى أنّ بعضهم طلب من أبنائهم ترك المدارس والجامعات علّهم يحمونهم، ولا يتردّدون في تأمين كلّ ما يحتاجون إليه من أجهزة إلكترونيّة وألعاب وغيرها، لحثّهم على البقاء في المنزل. تتابع أنّ هذا الأمر لا يجدي نفعاً لأنّ الأبناء الذكور يتذمرون بسرعة، ويرفضون المكوث في البيت على غرار الفتيات.

إلى ذلك، تقول الباحثة الاجتماعيّة، ليلى مجيد، لـ "العربي الجديد": "من الطبيعي أن يقلق الأهل على أبنائهم. فما يمرّ به العراقيّون أمر ليس عادياً، وهذا يولّد لديهم مخاوف كثيرة. خسرت بعض العائلات أبناءها بسبب العمليّات الإرهابية التي تحدث، في وقت التحق فيه البعض بالعصابات والمليشيات، ولم يعودوا قادرين على السيطرة عليهم. هذه الحوادث باتت تدفع الأهل إلى تفضيل إنجاب الفتيات فقط، بسبب كلّ ما عانوه خلال العقد الماضي".

وتبيّن مجيد لـ "العربي الجديد" أن "الخوف بات مكتسباً وبنسبه 70 في المائة. ويظهر ذلك بسبب الواقع الذي نعيشه". وتلفت إلى أنّ الخوف وكيفيّة السيطرة عليه يختلف من شخص إلى آخر. إلّا أنّ الخوف مثل كابوس مزعج لا يعرف صاحبه كيفيّة التخلّص منه. وفي بعض الأحيان، قد يكون مربكاً إلى درجة يمنع صاحبه من عيش حياته كما يجب أو القيام بمهامه، حتّى أنّ بعض الأهل باتوا يتمنّون لو أنّهم لم ينجبوا ذكوراً، خصوصاً أولئك الذين يعيشون في مناطق النزاع، كوسط العراق. فسوء الأوضاع الأمنية وكثرة عمليّات الخطف والقتل والاستهداف المباشر للشباب، يجعل الأهالي في حالة من القلق والخوف على الأبناء.

تلفت إلى أنّ العصابات تعي جيداً خوف الأهل على أبنائها، وبالتالي بات خطف أي شخص سهلاً، من دون أن يكون هناك حساب وعقاب. وهذا يولّد خوفاً أكبر لدى المواطنين لعدم شعورهم بالأمان. ويدرك الأهالي جيّداً أنّ الدولة لن تتحرّك في حال تعرّض أبنائهم للأذى من قبل المليشيات والعصابات. وترى أنّ الخوف المفرط يؤدّي إلى نتائج عكسية، داعية الأهل إلى التحلّي بالحكمة، والأخذ بالأسباب، والبحث عن حلول ممكنة تجعلهم أكثر اطمئناناً على أبنائهم، سواء الذكور أو الإناث.