الماجستير والدكتوراه تؤديان إلى البطالة في موريتانيا

الماجستير والدكتوراه تؤديان إلى البطالة في موريتانيا

22 مارس 2017
تتغير الحكومات ولا يتغير واقع البطالة (جورج غوبيه/فرانس برس)
+ الخط -
تعاني فئة الشباب في موريتانيا من بطالة كبيرة، لكنّ نسبة العاطلين من العمل في صفوف حملة درجتي الماجستير والدكتوراه أكبر بكثير، بالرغم من حاجة البلاد لهم ولاختصاصاتهم المختلفة

يقلّب سيد محمد ولد بدي أوراقه ويتأمل الإعلانات المكتوبة على واجهة المدرسة الوطنية للإدارة عساه يحظى بفرصة عمل هذه المرة. أمله خاب في يناير/ كانون الأول حين فشل في مباراة نظمتها وزارة الوظيفة العمومية. يزور ولد بدي عدداً من المؤسسات بحثاً عن وظيفة بعد تخرجه بدرجة ماجستير في القانون قبل عام ونصف من جامعة مغربية.

يقول ولد بدي لـ"العربي الجديد" إنّه سئم من الوقوف أمام المكاتب بحثاً عن وظيفة، فكلّ الوعود التي تلقاها ذهبت أدراج الرياح. آخرها كان من إحدى شركات الأدوية التي قبلته للعمل فيها كمتدرب لثلاثة أشهر من دون راتب، وبعد انتهاء فترة التدريب يمكن للشركة أن تقبله أو ترفضه، وهو ما لم يقبل به بعد استشارة أحد أقاربه الذي نصحه برفض العرض لأنّ التدريب وسيلة تتبعها بعض المؤسسات للحصول على العمالة بالمجان، مستغلة ظروف الشباب العاطلين من العمل الكثر في البلاد.

من جهته، حصل أحمد ولد أحمد محمود على درجة الدكتوراه في علوم الكومبيوتر قبل أشهر من جامعة مصرية، وما زال ينتظر تحقق وعد من إحدى شركات الاتصالات بتوظيفه. مع ذلك، هو غير متفائل بقبوله في الشركة، وبات يفكر جدياً في الهجرة إلى الخارج، فحتى لو حصل على عمل في موريتانيا فإنّ تدني الأجور وارتفاع تكاليف الحياة سيقضيان على حلمه بحياة كريمة.

يقول ولد أحمد محمود لـ"العربي الجديد" إنّه بات يفضّل الجلوس في المنزل على عرض نفسه على الشركات والمكاتب: "شعور قاس أن تسافر للدراسة في الخارج وتحصل على أعلى الشهادات ثم لا تجد عملاً. بعض الأقارب عرض عليّ مناشدة الرئيس أو الانضمام إلى الحزب الحاكم للحصول على وظيفة. رفضت ذلك لأنّي لا أقبل المحسوبية، وضميري ليس للبيع".

تعتبر موريتانيا من دول الساحل الأفريقي التي تعاني من ظاهرة البطالة بشكل كبير، وقد تفاقمت هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة وازدادت حدتها مع توالي الأزمات الاقتصادية وغياب المشاريع التنموية وكثرة الهزات السياسية. الظاهرة التي تنتشر بين الشباب عامة، وحملة الماجستير والدكتوراه خصوصاً، تؤدي إلى مشاكل جوهرية، منها هجرة أصحاب الكفاءات. جزء من الأزمة سببه غياب استراتيجيات التوظيف الفعالة، وانتشار الواسطة والمحسوبية والانتقائية التي تطبع عمليات التوظيف، وتدني الأجور.


من جهتها، أنشأت الحكومة الموريتانية وكالة وطنية مكلفة بتشغيل الشباب لمواجهة البطالة في صفوف حملة الشهادات الجامعية الأولى والدراسات العليا، وتقدم لهم قروضاً بهدف إنشاء مشاريع صغيرة. كذلك، أطلقت الحكومة مؤخراً الصندوق الوطني للإيداع والتنمية لنفس الغرض. وبينما تقول إنّها نجحت في تقليص نسبة البطالة من 31 في المائة إلى 10 في المائة، يشكك خبراء في هذه النسبة بالنظر إلى المعايير غير الدقيقة التي اعتمدتها الحكومة في المسح. الباحث الدكتور الإمام ولد محمد محمود يعتبر أنّ "أرقام الحكومة التي تقدم حول نسبة البطالة يشوبها كثير من المغالطات، لأنّ هذه النسب تستهدف في الأساس الحفاظ على صورة الاقتصاد الوطني في عيون الممولين والهيئات المالية الدولية، بينما تشير التقارير والدراسات الدولية إلى أنّ نسبة البطالة في موريتانيا تقدر بـ80 في المائة، وهي نسبة تؤكدها بعض الوقائع على الأرض".

مهندسون موريتانيون عاطلون من العمل يحتجون (العربي الجديد) 


تبقى مشكلة حملة الماجستير والدكتوراه خاصة جداً، فبالرغم من عددهم القليل وحاجة موريتانيا إلى أصحاب الاختصاصات في مثل هذه الدرجات العلمية المرموقة، فإنّ غياب استراتيجيات التوظيف والتدريب، وضعف الطاقة الاستيعابية لسوق العمل، وغياب البرامج الحكومية الخاصة التي تعتمد على أصحاب المؤهلات العلمية، وغياب المشاريع الاقتصادية يحول بينهم وبين الوظائف التي يستحقونها.

يعتبر ولد محمد محمود أنّ السبب الأول والمباشر في انتشار البطالة في صفوف حملة الماجستير والدكتوراه هو "ضعف البنية الاقتصادية والتعليمية في البلاد، فمعظم خريجي الدراسات العليا يعملون في مجالات التدريس، والبحث العلمي، بالإضافة إلى وظائف أخرى محدودة في القطاع الخاص. لذلك، فإنّ ضمور البنية التعليمية كالجامعات والمراكز التعليمية والشركات، بالإضافة إلى غياب استراتيجيات الحكومة في دمج هؤلاء الشباب والاستفادة من خبراتهم، يعتبر من أكبر مسببات البطالة في صفوفهم. كذلك، فإنّ لنوعية الاختصاص دوراً مهماً بشكل نسبي في الحصول على العمل، فخريجو الهندسة والطب والعلوم التطبيقية لهم حظوظ أكبر من حظوظ خريجي الاختصاصات الأدبية والعلوم الاجتماعية. إلا أنّ معظم الخريجين في المجمل يعانون نفس المشكلة نتيجة غياب رؤية الدولة في التوظيف، وانتشار المحسوبية في الإدارة".

بدوره، يقول الباحث المهتم بالشباب والهجرة عبد الرحمن ولد محمد المصطفى لـ"العربي الجديد": "مرتنة (جعلها موريتانية) الوظائف غائبة في البلاد مع أنّها مطلوبة خصوصاً في شركات الدخل الأعلى (المناجم والسمك والمطارات). وهو ما يجعل الشباب الموريتانيين يعانون مرتين، الأولى في عدم إلزام الشركات بأسبقية الموريتانيين في العمل، والثانية التعرض لألاعيب سماسرة العمل من الشخصيات النافذة والشركات الوهمية. هؤلاء السماسرة يتعهدون أعمالاً في الشركات الكبرى ويستغلون الشباب بتشغيلهم بأجور يومية بسيطة".

المساهمون