بحثاً عن حلول

بحثاً عن حلول

14 مارس 2017
ربّما الحلّ في الصمت لا البوح (جنيفر بوليكسيني برانكين/Getty)
+ الخط -
الخلط بين مفاهيم عديدة كالاجتماع والانسجام والاندماج والوحدة يؤدي غالباً إلى خلط آخر في نتائج الخلط الأول.

البوح ناتج عن مثل هذا الخلط. فبينما قد يكون من المفيد لصاحب مشكلة أن يبوح بها التماساً لحلّ يغيب عنه ويعينه على مواجهتها، ربّما لا يجدي ذلك البوح بالنسبة إلى صاحب المشكلة نفسها في مجتمع آخر. المشكلة نفسها في الأساس تختلف مهما بدت نفسها وذلك تبعاً لشكل المجتمع، ولو كان الفرد يحسبها في صميم فرديته كالخجل مثلاً، فالتداخل الثقافي - الاجتماعي يهيّئ للمفهوم بنية مختلفة بحسب كلّ مجتمع.

في كلّ الأحوال يستمر البحث عن حلول عبر البوح. لكن، لنتمعّن قليلاً في وجهة ذلك البوح. مهنة المعالج النفسي في الغرب لها كثير من الرواج. وهناك مريدون كثر للمعالجين يدفعون ثمن بوحهم من دون أن يصلوا إلى حلّ لمشاكلهم بالضرورة. قد يهيّئون لأنفسهم أنّ البوح نفسه هو الحلّ، لكنّه ربّما حلّ زائف في تخديره الذي يبقي المشكلة قائمة ويجدول جلسات بوح أخرى بفواتير لا تنتهي.

في بلادنا، ليس المعالجون النفسيون ذوي شعبية. وفي ما عدا قلة تلجأ إليهم كانسياق تلقائي لحداثة تعتبر مرجعيتها الوحيدة الغرب، وما فيه من اختراعات وقيم عظيمة وكذلك خزعبلات باطلة، فإنّ معظم الناس يبوحون لبعضهم بعضاً.

لا يختار كثيرون وجهة بوحهم. بل يبوحون لكائن من كان، وعندما يختارونه يشوب معايير الاختيار كثير من الشكّ والحذر والخوف وصولاً إلى الاتكالية والخضوع. الاختيار أسوأ من عدمه تبعاً للعلاقة المترتبة عليه لاحقاً.

الأغرب أنّ من يُباح لهم ربّما يكون لديهم مشاكل أكبر من مشاكل من يبوحون. والأكثر غرابة أن يتخذ صاحب المشكلة منها ذريعة للتقرّب من الآخرين عبر البوح. لكنّ الحديث في مشاكله تلك سيقرّبه منهم زيفاً، فهم الطرف الأقوى بلجوئه إليهم، وهو ما يؤدي إلى انعدام التوازن في تلك العلاقة المستجدّة. ربما يستمعون إليه وينزعجون لكنّهم يحبونه فلا يبدون له انزعاجاً. وربما يخدعونه ويجعلون منه تسلية لهم. أو ربّما يستغلون ما يتكلّم به في أهداف خاصة مهما كانت.

فهل البوح وسيلة للحلّ أم الحلّ نفسه؟ كحلّ هو ليس أكثر من حلّ زائف ومخدِّر. أمّا كوسيلة للحلّ، فليحسب الفرد كم مرة أدّى فيها بوحه إلى حلّ المشكلة فعلاً وكم مرة لم يحلّها. وليتابع على هذا الأساس، لكن لا مانع من تجربة سبيل آخر يقول إنّ الحلّ ينبع منّا بالذات مهما كانت مشاكلنا. فهو من داخلنا الذي هو جزء من مجتمع وثقافة وبنية معرفية.

فلنجرّب كتم أسرارنا ومشاكلنا مدة، ربّما يأتي ذلك الحلّ سواء واجهنا المشكلة أم تجاهلناها. ومهما كان الوضع ربّما يكون أفضل من قيل وقال وتأويلات لا تنتهي.

دلالات

المساهمون