حدث في مطار بيروت

حدث في مطار بيروت

08 فبراير 2017
تبحث عيونهم عن ملامح مستأنسة (Getty)
+ الخط -

تراقب الشاشة الكبيرة أمامها. من وراء ذلك الحاجز الحديديّ، تحملق بتلك الأرقام الملوّنة التي لا تلبث أن تظهر حتى تختفي، قبل أن تبين أخرى.

تحمل بالوناً ملوّناً بغير ألوان أرقام الشاشة، وتنتظر. لا تستحسن الانتظار، لكنّ فعل الانتظار هذا لا يشبه أيّ ترقّب آخر. لن تتّخذ مكاناً لها على واحد من تلك المقاعد الحديديّة الرماديّة. تفضّل البقاء هنا، وإن وقوفاً. كان نهاراً طويلاً، أنهكها. وتصرّ على الانتظار مستندة إلى ذلك الحاجز الحديديّ.

الرحلة تأخّرت. هذا ما يظهر على الشاشة. تختفي الأرقام التي تشير إلى موعد هبوط الطائرة المنتظرة، لتبين محلّها "مؤجّلة". حروف تبين محلّ الأرقام. لا تأبه لذلك التأخير. يستهويها مشهد مرور المسافرين الوافدين. هؤلاء الذين يجرّون حقائبهم فيما تبحث عيونهم عن ملامح مستأنسة في انتظارهم، وراء ذلك الحاجز الحديديّ. تراقب هؤلاء. تراقب ابتسامات عيونهم ما إن يلمحوا يداً مألوفة تلوّح لهم أو وجهاً محبباً ينفرج وقد أبصرهم. وتراقب صغيراً يزحف من تحت الحاجز. يركض صوب والده. هو صغير. مسموح له اجتياز الحاجز. ويرتمي بين ذراعيَن افتقدهما.

من جديد، تلتفت صوب تلك الشاشة. ما زالت الرحلة "مؤجّلة". لا تأبه لذلك التأخير. يشغلها عنه هتاف امرأة ستّينيّة، وقد لمحت وحيدها بين الوافدين. "يا سَنَدِي!". يقترب الشاب الثلاثينيّ من الحاجز ويحتضنها طويلاً. "اشتقتلّك إمّ كريم!". الدموع تملأ عينَيه، كما عينَي أمّ كريم. عيونهما متشابهة.. واسعة سوداء.

تمسح دموعاً سالت. عناق كريم وأمّه هزّها. تمسح دموعها وتلتفت صوب الشاشة. ما زالت "مؤجّلة" تظهر بالبرتقاليّ. ما زال عناق كريم - صغيرها كريم - مؤجّلاً. تلفّ شريط البالون الملوّن على أصابعها. وتراقب من جديد تلك الوجوه الوافدة. تشعر بضيق. ضيق يشبه ما تحسّ به عند الانتظار، عادة. هذا الانتظار لا يشبه أيّ ترقّب آخر، غير أنّها بدأت تشعر بضيق. ربّما اختطف إرهابيّون الطائرة. ربّما طرأ عطل على أحد محرّكاتها، فسقطت في البحر أو تحطّمت في وادٍ سحيق. ربما... وتكثر التكهّنات. كلّها سوداويّة. الرحلة تأخّرت ساعة واثنتَين وعشرين دقيقة. السوداويّة حقّ. المعنيّون يعيدون التأخير إلى الأحوال الجويّة. ماذا لو عجز القبطان عن السيطرة على طائرته؟ ماذا لو فقد الاتصال ببرج المراقبة؟

تشيح بنظرها عن تلك الشاشة. ربّما تهبط الطائرة إذا كفّت عن التحديق. ربّما إشاحة نظرها فأل خير. دقائق لم تتعدَّ السبع. وتنظر من جديد إلى أرقام الشاشة الملّونة. "وصول". زفير. تتنفّس من جديد. تبتسم وتتأهّب.

تترك مبنى المطار وهي تجرّ حقيبة كريم المنهمك بسرد ما حصل بعد الإقلاع.. وببالونه.


دلالات

المساهمون