السودان: بلاد النيلَين والمياه مقطوعة

السودان: بلاد النيلَين والمياه مقطوعة

07 فبراير 2017
هكذا تؤمّنان المياه (زكريا جونس/ الأناضول)
+ الخط -

ليس مبالغاً القول إنّ أزمة المياه في السودان باتت جزءاً لا يتجزّأ من يوميّات السودانيّين. وهؤلاء إمّا يضطرون إلى شراء المياه أو اعتماد الوسائل التقليديّة لتخزينها، على أمل أن تتحقّق وعود الحكومة.

بعد عناء استمرّ طويلاً، وجد محمد (29 عاماً) منزلاً للإيجار في أحد الأحياء السكنيّة في العاصمة السودانيّة الخرطوم، وانتقل إليه مع أسرته الصغيرة. لكنّه سرعان ما تخلّى عنه حتى قبل إكمال شهره الأوّل فيه. لم يستطع تحمّل أزمة المياه في المنطقة، رغم سعادته بالمنزل الجديد الذي كان قريباً من مقرّ عمله.

ويقول محمد لـ "العربي الجديد" إنّه "منذ انتقلنا للسكن في البيت الجديد، عانينا من نقص المياه، واكتشفنا أنّ الحيّ يعاني منذ أشهر من انقطاع دائم للمياه. وهو ما يدفع الأهالي إلى شرائها من أصحاب "الكارو" (عربات تقليدية تجرّها الحمير وتستخدَم لنقل براميل المياه) في مقابل ما بين 30 و50 جنيهاً (4.5 - 7.5 دولارات أميركية) للبرميل الواحد (120 لتراً) الذي بالكاد يكفي لتأمين حاجات المنزل ليوم واحد". يضيف، أنّ الأهالي يشترون مياه الشرب من الدكاكين بأسعار مرتفعة، "وهذا الواقع دفعني إلى اختيار الرحيل"، لافتاً إلى أنّ "المياه تشكل أزمة حقيقية، خصوصاً أنّنا ندفع للدولة في مقابل الحصول على خدمة غير متوفرة".

ومحمد واحد من السودانيّين الذين يعانون بسبب الانقطاع المتكرّر للمياه، وهذه أزمة "متوارثة" في البلاد ولا تقتصر على بعض أحياء العاصمة الخرطوم، بل تمتدّ إلى مناطق مختلفة في ولايات السودان. ويشكّل فصل الصيف خصوصاً، هاجساً لدى السودانيّين بسبب زيادة استهلاك المياه. في بعض الأحياء، يلجأ مواطنون إلى التظاهر، من وقت إلى آخر، احتجاجاً على قطع المياه، ما يدفع الحكومة إلى توزيعها على المتضرّرين مجاناً، علماً أنّ الباعة المتجوّلين يستغلّون حاجة الناس إليها ويرفعون سعرها إلى ما بين 70 و90 جنيهاً (10.5 - 14 دولاراً). وفي الليل، يضطرّ المواطنون إلى السهر لحراسة المياه، حتى إنّهم قد ينامون بالقرب منها.

منذ نهاية الأسبوع الماضي، بدأ أهالي بعض أحياء مدينة الدامر في ولاية نهر النيل (شمال) يعانون بسبب انقطاع المياه، ما دفعهم إلى اللّجوء إلى الباعة المتجولين، وقد وصل سعر البرميل إلى نحو 150 جنيهاً (أكثر من 23 دولاراً).

وتقرّ الحكومة السودانيّة بوجود أزمة مياه، عازية السبب إلى الحصار الاقتصادي الذي فُرض على البلاد منذ أكثر من عشرين عاماً، قبل إنهائه من قبل الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أخيراً. وتشير إلى أنّ العقوبات عرقلت شراء شبكات خاصة لتوصيل المياه وصيانة المواسير، بالإضافة إلى معوّقات أخرى مرتبطة بالتمويل، فضلاً عن التوسّع السكاني خصوصاً في ولاية الخرطوم، الأمر الذي يشكّل ضغطاً على الشبكات.




تجدر الإشارة إلى أنّ الحكومة أعلنت أخيراً بدء العمل بتنفيذ خطّة خمسيّة (2016 ـ 2020) لتوفير مياه الشرب، تحت عنوان "زيرو عطش". وكان الرئيس السوداني، عمر البشير، عند تدشين سدَّي ستيت وأعالي نهر عطبرة في شرق البلاد، قد أكّد أنّهما مصمّمان لتأمين احتياجات ولاية القضارف (شرق) للأعوام المائة المقبلة، خصوصاً أنّ المنطقة تعاني من نقص في المياه. أضاف: "نحن على علم بأنّ هناك من يترك زراعته في الخلاء بسبب العطش. ومن خلال هذا المشروع، سيتمكّن أيّ مواطن في الولاية من شرب مياه نظيفة والحصول على الكهرباء".

في السياق، يُذكر أنّ بعض مناطق السودان لم تحصل أبداً على خدمة توصيل المياه، وما زال الناس يعتمدون على الوسائل التقليديّة لتأمينها، إما من خلال حفر الآبار أو تجميع مياه الأمطار في الرمال أو في أشجار التبلدي، كما يحدث حالياً في مناطق بولاية شمال كردفان. ويقول عبد اللطيف (35 عاماً) وهو أحد سكّان المنطقة، "اعتدنا تخزين المياه أو شراءها، ولم يحصل أن نزلت نقطة مياه واحدة من الصنبور".

وتقدّر حصّة السودان من مياه النيل بنحو 18.5 مليار متر مكعّب، يستغل منها 12.2 ملياراً في العام فقط، في وقت تقدّر الكميّة الإجماليّة لنهر النيل ورافدَيه الرئيسيَين، النيل الأبيض والنيل الأزرق، بالإضافة إلى أنهار عطبرة والرهد والدندر، نحو 50 مليار متر مكعّب.
وفي وقت سابق، كان مدير هيئة مياه ولاية الخرطوم، خالد حسن، قد أشار إلى أنّ عدد الأحياء الواقعة ضمن خطّ العطش في ولاية الخرطوم وصل إلى 62 من بين 226 حياً، مؤكداً إنشاء محطّات مياه جديدة من وقت إلى آخر لحلّ الأزمة.

خلال الصيف الماضي، مع اشتداد أزمة المياه، عمدت الحكومة إلى زيادة ضخّها بنسب متفاوتة، كذلك راحت تسعى إلى إنشاء محطات جديدة، في حين أوضحت أنّ كل فرد في الولاية يستهلك نحو 200 لتر. ويرى خبراء أنّ تفاقم أزمة المياه في السودان مرتبط بإهمال الحكومة للقطاع وتجاهل توفير الموارد اللازمة لتأهيله، لا سيّما أنّ شبكات البلاد بمعظمها قديمة وبالية وتكثر فيها الأعطال، في إشارة إلى أهميّة التوسّع في المحطات والآبار وشبكات النقل.