غشاشون في بريطانيا... طلاب يشترون تقاريرهم الجامعية

غشاشون في بريطانيا... طلاب يشترون تقاريرهم الجامعية

06 فبراير 2017
هل كان نجاحهن مغشوشاً؟ (دان كيتوود/ Getty)
+ الخط -
فوجئ كثيرون، ومن بينهم أساتذة جامعات، في بريطانيا بتقرير حول شراء طلاب جامعيين أعمالهم من مقالات وأبحاث بدلاً من إعدادها بأنفسهم. القضية تأخذ الكثير من الشدّ والجذب، وما زال البعض يتساءل حول مدى صحتها

قبل أيام قليلة، نشرت صحيفة "آي" البريطانية دراسة تبحث في كيفية التعامل مع قضية دفع طلاب جامعات بريطانية مبالغ مالية لشركات مقابل توفير مقالات مكتوبة لهم بمستوى أكاديمي عالٍ. جاءت الدراسة وسط مخاوف متزايدة من ارتفاع عدد هؤلاء الطلاب الذين يشترون مقالات مكتوبة من مواقع على الإنترنت تعرف باسم "مطاحن المقال".

مع ظهور نتائج الدراسة، طالب باحثون بضرورة فرض غرامات مالية عالية على هذه الشركات لمنعها من توفير أدوات الغش للطلاب، خصوصاً حين تبيّن أنّ نحو 21 موقعاً توفر خدمة المقالات المكتوبة للطلاّب، وأنّ القانون الحالي لا يكفي لجلبهم أمام القضاء والتحقيق معهم بقضايا جنائية. هذا الأمر دفع أكاديميين من كلية الطب في جامعة "سوانسي" إلى مطالبة الحكومة بفرض قوانين أكثر صرامة، بالإضافة إلى الغرامات على الشركات التي تساعد الطلاّب في الغش.

في هذا الشأن، يقول الأستاذ المشارك في جامعة "سوانسي" مايكل درابر المتخصص في القانون وعلم الجريمة والمؤلّف المشارك في تلك الدراسة، إنّ أيّ غرامة ينبغي أن تكون كبيرة بما يكفي كي تؤذي ميزانيات الشركات التي توفّر تلك الخدمة للطلاّب.

أجانب
يقول درابر لـ "العربي الجديد" إنّ الدراسة تكشف الخطر المتزايد على التعليم العالي في بريطانيا، وتبيّن كيفية عمل هذه الخدمات عبر مواقعها على الإنترنت. كذلك، تسلّط الضوء على مزاعم هذه المواقع وتقديمها ضمانات، عن طريق استعراض وسائل قانونية لمكافحة هذا النوع من الغش. يتابع أنّ بحثاً بسيطاً على الإنترنت يكشف عن عدد هذه المواقع التي تقدّم خدمات الغش. ومن المنطقي توقّع ازدياد أعدادها نتيجة الإقبال عليها.

وعن جنسية غالبية الطلاّب الذين يقبلون على شراء هذه الخدمات، يقول درابر إنّه لا يستطيع تحديد ذلك لأنّه يصعب تمييز هذه المقالات المخصّصة لكلّ طالب بعينه، باستخدام برنامج الكشف عن الغش في الجامعات. لكنّه يقول إنّ هناك مخاوف من أنّ الطلاّب الأجانب يحتلّون النسبة الأكبر في الغش بين 55 ألف طالب ضبطوا في السنوات الثلاث الماضية.

يتابع أنّ الثقافات قد تختلف بين ما هو مقبول وما هو مرفوض في الكتابة الأكاديمية، وقد يشكّل إتقان اللغة مشكلة بالنسبة لبعض الطلاب لأنّ الإنكليزية ليست لغتهم الأولى، ما قد يؤثّر على قدرة الطالب على استخدام المفردات الخاصّة به. كذلك، يؤكّد أنّ الدراسة الصادرة عن "وكالة ضمان الجودة" تعترف بوجود هذا النوع من الخدمات في بلدان أخرى فلا تقتصر على بريطانيا وحدها. ويلفت إلى أنّ سوق كتابة المقالات المخصّصة استفاد من التكنولوجيا المتقدّمة وسهولة الوصول إلى هذه الخدمات عبر الإنترنت، من سرعة في التسليم والدفع. لكنّ هذه المواقع تدّعي أنّها "خالية من الاقتباس" لأنّها ذات طابع سرّي وتحذّر في الوقت ذاته من اقتباس موادها.

يوضح درابر أنّ الجامعات تستخدم أنظمة لكشف الغش، وقد تطلب من الطالب تقديم اختبار شفهي. وبعض المؤسّسات تطلب تقديم مخطّط، وهو مقال سابق للعمل النهائي، أو تستخدم أشكالاً بديلة للتقييم. وفي دراسة بعض الخيارات لمعالجة هذا التهديد، تعترف "وكالة ضمان الجودة" بعدم وجود حل، أمّا البديل فمنه تعزيز الممارسة الأكاديمية الجيدة من قبل الطلاّب، كي يبتعدوا عن شراء مقالاتهم المكتوبة، فضلاً عن الكشف عن سوء السلوك الأكاديمي ومعاقبته.

يلفت كارلوس (20 عاماً) وهو طالب إدارة أعمال تجارية ومالية في السنة الثالثة في جامعة "ويستمنستر" لـ"العربي الجديد" إلى دور الجامعات المهم في حثّ الطلاّب على الشعور أنّهم جزء منها. يتابع أنّ جامعات هذه الأيّام لا تولي اهتماماً كبيراً أو لا تتأكّد في معظم الأوقات من حضور طلاّبها وتفاعلهم بشكل منتظم، كما أنّ الكثير من الجامعات تعجز عن تشجيع الطلاّب بما يكفي للعمل على مقالاتهم بأنفسهم. يقول إنّ الطالب حين يشعر بضغوط كبيرة قد لا يلجأ بالضرورة إلى مدرّسين خصوصيين أو إلى أساتذته، ربما لأنّه بنى تصوّراً عنهم بأنّهم لن يقدّموا مساعدة فعّالة تساعده على فهم ما هو في حاجة إليه للنجاح. لذلك، عند هذه النقطة، قد يبدأ الطالب في التفكير بوسيلة أخرى تضمن نجاحه. ويبقى الحلّ الأسهل لمن يملك المال الكافي هو شراء مقالاته. يعتقد كارلوس أنّ غالبية هؤلاء الطلاب هم ممّن يتغيّبون عن محاضرات الجامعة.

جريمة
من جهته، يقول برادلي: "القضية واسعة النطاق بحجم الإنترنت". يشير لـ"العربي الجديد" إلى أنّ كل طالب يستطيع الوصول إلى الإنترنت بإمكانه استخدام تلك الخدمات في بريطانيا أو أيّ مكان في العالم: "هناك على الأقل خمسة مواقع يمكن رصدها تعود لشركات بريطانية مسجّلة، لكنّ مقر البعض منها خارج البلاد كي تبقى مجهولة".

يتابع أنّ مجلس اللوردات ناقش مسألة التعليم العالي، وأنّ أحد اللوردات قدم اقتراحاً باعتبار قيام مؤسّسات تجارية بكتابة مقالات طالب وإعطائه ميزة لا يستحقها هو جريمة، واعتبر أنّ هذه الخدمة مجحفة بحق الطلاّب الآخرين. لكن أثناء مناقشة القضية سحب هذا الاقتراح مقابل ضمان الحكومة بالعمل مع "وكالة ضمان الجودة" و"اتحاد الطلاّب الوطني" لإيجاد حلّ لا يتطلّب خلق نوع جديد من الجرائم. مع ذلك، اعترفت الحكومة أنّه في حال عدم التوصّل إلى حلّ غير تشريعي، ستواصل النظر في هذا المقترح لحظر بيع المقالات المكتوبة المخصّصة للطلاّب.

بدورها، تؤكد زهرة صدوقي (23 عاماً) الحائزة على ماجستير في المناعة والعدوى (اختصاص طبي) من "كلية لندن الجامعية "UCL"، لـ "العربي الجديد" أنّ من المهم معالجة هذه المسألة، كونها مجحفة بحق الطلاب الذين يبذلون ما في وسعهم للنجاح، بينما يدفع آخرون المال لتحقيق الغاية ذاتها. تتابع أنّه على المدى الطويل، سيعجز هؤلاء الطلاّب عن التفاعل وخدمة المجتمع بهذه الشهادات الجامعية التي دفعوا ثمنها. لذلك، تعتبر صدوقي أنّه ينبغي، ولمصلحة جميع الطلاّب، الصادقون منهم والمخادعون، أن يوضع نظام يمنع توفّر تلك الخدمة. كذلك، توافق على تغريم الشركات مبالغ مالية كبيرة: "الغرامة الصغيرة في ما يبدو لا تكفي للردع". لكنّها لا تؤمن بتغيير أساليب تقييم الطلاّب نتيجة هذه القضية، لأنّ كلّ اختصاص يتطلّب اختبارات مختلفة.

برامج الكشف
للتعرّف عن كثب إلى حجم المشكلة تواصلت "العربي الجديد" مع عدد من الأساتذة الجامعيين. تقول الدكتورة نهى ميلر، أستاذة الإعلام في جامعة "بيدفوردشير" إنّها على علم بوجود هذه الخدمات عبر الإنترنت، بيد أنّها تقلّل من أهمية القضية، ولا تجد أنّ الجامعات تعاني بشدة من ذلك. تتابع أنّ هذه الخدمات نادراً ما تقدّم مقالات خاصّة أي مادة مكتوبة بشكل خاص لكلّ طالب، كما ذكر في الدراسة المنشورة. وتضيف: "إن وجد ذلك يسهل الكشف عنه من قبل برامج الجامعات، كون المقالات عادة ما تكون إعادة تدوير لمواد من جرائد قديمة".

تشير ميلر إلى أنّ من الصعب تصوّر قيام موقع واحد على الإنترنت بالتعاقد مع "كتّاب" متخصّصين في كلّ المجالات (العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية وعلوم الحياة) لتلبية تلك الحاجة إلى الغش. وتوضح أنّ هناك طرقاً عديدة يمكن عبرها التأكّد من أنّ المقال هو من عمل الطالب، ومنها على سبيل المثال، أن يطلب منه كتابة مشروع أو مخطّط مسبق. كذلك، إذا قدّم الطالب مقالاً مكتوباً بأسلوب متقدّم مثير للريبة، يمكن أن يُطلب منه أن يفنّد حججه الواحدة تلو الأخرى.

أمّا الدكتور مازن المصري، فيقول إنّ معظم الطلاّب المحليين لا يتحمّلون كلفة شراء هذه المقالات. ويلفت إلى أنّ غالبية الطلاّب الأجانب يأتون من عائلات ميسورة أو ثرية، وباستطاعتهم شراء هذه الخدمات. وهذا الاتجاه قد يخلق مشكلة خصوصاً حين يتعلّق الأمر بالبلدان الغنية. وعن برامج الكشف عن الغش الموجودة في الجامعات، يؤكد المصري أنّها قادرة على كشف الاقتباس من مصادر موجودة، لكن إن كان المقال المكتوب غير مقتبس بل كتب خصيصاً للطالب، فلن تساعد هذه البرامج في إظهار خداعه. يستدرك: "في حالات الشكّ، تسمح قوانين الجامعات بطلب مزيد من الإيضاحات مثل السؤال عن المصادر أو الاختبار الشفهي".

المساهمون