الكيس الأسود المشبوه

الكيس الأسود المشبوه

21 فبراير 2017
وأخيراً قابل بطله (كريم جعفر/ فرانس برس)
+ الخط -

الأكياس أشكال وألوان. من الورقي والكرتوني إلى النايلوني والبلاستيكي بدرجاتها العديدة. الأكياس الأبسط أكياس الخضار. بعضها شفاف بلون واحد لا يعدو كونه واجهة لما فيه، وبعضها الآخر مقلّم كالكيس الأزرق والأبيض للطفل الأفغاني الذي قلّد لاعب كرة القدم الأرجنتيني ليونيل ميسي. كلّ هذه الأكياس تؤدي وظائف مشابهة الهدف منها حمل شيء ما.

لكن، دائماً هناك ذلك الكيس الأسود. الكيس الداكن الذي يخفي ما فيه، فلا يثير شكاً إذا كان الجميع يحملون مثله. أما إذا كان وحده بين مجموعة لا تنتهي من الأكياس أثار الشكوك.

تلك الأكياس السميكة الملونة أو التي تحمل رسومات متنوعة وكتابات، لا تثير مثل هذه الشكوك. فحتى عندما لا تحمل اسم متجر أو علامة تجارية في إمكانك التنبؤ بما تخفي، أو أقلّه يأخذك الخيال إلى ما كان فيها من دون الالتفات إلى ما فيها الآن. هي تختلف عن الكيس الأسود الذي يتفرّد وحده في إثارة تلك الشكوك.

هو ينقل الفكر مباشرة إلى أنّ من اختاره اختار معه أن يخفي ما في داخله. فهل هو خوف أم خجل أم ضرورة أمنية؟ كلّ ما يحاول المرء إخفاءه يتحول مباشرة لدى الآخرين إلى حرام أو عيب، أو حتى ممنوع في أقل الدرجات حدّة. وإلّا لماذا يخبئه!؟ قد يتساءل أحدهم بذلك بينما يمعن في إثارة التكهنات والشائعات حول حامل الكيس الأسود.

يقول مثل شعبي فريد: "احمل جملاً يقولون: اشتراه... خبّئ فأراً يقولون: سرقه". وهناك شطر لـابن سهل الأندلسي جرى على الألسنة بدوره: "كاد المريب أن يقول خذوني". إذا مزجناهما معاً وأضفنا إليهما الكيس الأسود في حزمة واحدة، لن يكون الأمر في صالح حامل ذلك الكيس أبداً.

الناس يحكمون على المظهر أكثر بكثير مما يحكمون على الجوهر. والناس كذلك يدمنون التصنيف. هم لا يفهمون الفرد إلّا حين يصنّفونه في مجموعة ما، ولو كانت مؤلفة منه لا أكثر، المهم أنّها مجموعة ذات صفات تلتصق به، وبذلك بات مصنفاً... ومفهوماً ولو كان فهماً خاطئاً... فهمٌ على قياس المصنِّفين.

الأكثر غرابة، بعد ذلك التصنيف، أنّ الحُكم الذي يطلقه الناس غالباً ما يكون سلبياً. فكأنّ راداراتهم لا تلتقط إلّا كلّ ناقصة حُكم بكونها ناقصة من جيل إلى جيل، ولا تنوّه أبداً بالحسنة. ميزان الناس لا يلتقط الحسنات، فالجميع مدان ولا انتظار إثبات براءة بعدها.

يكفي أن تحمل كيساً أسود حتى تخضع للتفتيش على الحواجز الأمنية أكثر حتى ممن يحملون حقائب كبيرة. يكفي أن تحمل ذلك الكيس حتى تؤلَّف عنك الحكايات، ولو كنت تخبئ - لسبب ما - باقة زهور تهديها لحبيبتك من غير مناسبة، أو حتى وردة حمراء واحدة.


دلالات

المساهمون