السمك لم يعد طعام الفقراء في الجزائر

السمك لم يعد طعام الفقراء في الجزائر

19 فبراير 2017
بات للنخبة فقط (حسين زورار/ فرانس برس)
+ الخط -
لا يذكر الرسام الكاريكاتيري الجزائري الشهير عبدو آخر مرة تناول فيها وجبة سمك في بيته. يقول ساخراً، وهو الذي يعتمد السخرية لغة في عرض أفكاره عبر رسوماته: "نسيت السمك كما نسيت كثيرين، قد يكون صعباً عليّ أن أرسمه الآن، فقد نسيت ملامحه".

عرف السمك في الجزائر بأنّه طعام الفقراء. كان سعره الأقل بين المواد الغذائية واللحوم، وباستطاعة أكثر العائلات فقراً في الجزائر شراء كلغ سمك وتوفير وجبة عشاء أو غداء. كان إنتاج الجزائر من السمك مرتفعاً مقارنة مع احتياجات السكان، وكان تجار السمك يلجأون إلى الباعة المتنقلين لبيعه، فيصل إلى كلّ المناطق والقرى النائية التي كان مستوى العيش فيها أدنى من المدن.

حتى منتصف التسعينيات كانت السلطات البلدية في المدن الجزائرية تمنع بيع السمك بعد منتصف النهار وترشّ ما بقي منه في السوق بعد هذه الفترة بمادة لمنع بيعه. ذلك كان تقليداً يومياً. في هذه الحالة كان التجار يخفّضون السعر كثيراً قبل انتصاف النهار تجنباً لخسارة ما بقي لديهم. وحتى بداية التسعينيات لم يتجاوز سعر كلغ السمك 20 ديناراً (نحو 10 سنتات أميركية). وكان هذا السعر المتدني يتيح للتجار البيع بالجملة، فيسمع الجزائريون الباعة في السوق وفي الأحياء الشعبية ينادون: "أيّا زوج كيلو ورطل بخمس آلاف"، أي كلّ 2 كلغ ونصف الكلغ بـ50 ديناراً (نحو ربع دولار).

السمك جزء من ذاكرة الجزائريين، فقد كان أبرز دروسهم في المرحلة الابتدائية نص في كتاب القراءة عن "القط بش بش". هذا النص يتحدث عن المائدة التي كانت تجتمع حولها العائلة الجزائرية، ويقول إنّ الأم كانت تحضّر وجبة العشاء التي تتكون من السمك قبل أن يمدّ "القط بش بش" يده ليستولي على حصة أحد أفراد العائلة.

(العربي الجديد) 


كان ذلك في زمن الرخاء الاجتماعي، ويقول علي سمان، وهو قائد في الكشافة الجزائرية: "كان لذلك النص أثر كبير في تلك الأيام. حينها كنا نشتري السمك ونذهب في رحلات إلى الغابة لنشويه ونتلذذ بطعمه". وفي البيت كانت الأمهات يتفنّنّ في طهيه بالمرق والتوابل.

تبدّل كلّ شيء، فلم يعد بوسع العائلة الجزائرية الاجتماع على وجبة سمك، بعدما وصل سعر الكيلوغرام الواحد إلى مستويات قياسية تستقر عند 10 دولارات في مدن الساحل، وترتفع أكثر في بعض المدن الداخلية. كذلك، ارتفع سعر كلغ السردين إلى ما بين 5 دولارات و7. أما الأنواع الأكثر جودة من الأسماك وثمار البحر، كالجمبري (القريدس)، فيرتفع سعر الكلغ منه إلى 30 دولاراً. كلّ هذه الأسعار هي أعلى بكثير من دول الجوار كالمغرب وتونس.

هذا الوضع يحوّل هوية السمك من طعام للفقراء إلى أكلة فاخرة لا يحظى بها كثيرون. وحتى المطاعم الشعبية التي كان السمك أبرز الوجبات فيها اختفى من قوائمها اليومية. يقول نور الدين، وهو مالك مطعم في شارع طنجة، أشهر شارع للمطاعم الشعبية في العاصمة الجزائرية، لـ"العربي الجديد": "لم أعد منذ فترة طويلة أقدم السمك. سعره بات باهظاً جداً. لا يمكنني أن أبيع وجبة سمك واحدة، لأنّ رواد المطاعم الشعبية ليس في إمكانهم تحمّل سعرها".

(العربي الجديد)


تدفع المقارنة البسيطة بين سعر السمك في الجزائر مع جيرانها في تونس والمغرب إلى طرح تساؤلات عن أسباب الفوارق، علماً أنّ 14 محافظة جزائرية تطلّ على البحر الأبيض المتوسط بساحل طوله 1200 كيلومتر عليه 51 ميناء صيد. في هذه المياه ثروة سمكية هائلة، لكنّ الحكومة تعجز عن استغلالها. ومنذ منتصف التسعينيات تخلت الدولة الجزائرية عن قطاع الصيد بسبب الظروف الأمنية العصيبة التي مرت بها البلاد، فلم تتمكن من تجديد أسطولها البحري المخصص للصيد حتى عام 2002. يومها حاولت إطلاق برنامج لتشجيع العاملين في الصيد على تجديد البواخر والقوارب. لكنّ هذا البرنامج أخفق كثيراً في إنعاش القطاع وإعادة السمك إلى موائد الجزائريين لأسباب منها سوء التسيير، والفوضى التي شهدها توزيع المساعدات ورخص اقتناء بواخر الصيد، خصوصاً مع دخول أشخاص طارئين لا يعملون في المهنة إلى قطاع الصيد.

صحياً، توصي منظمة الصحة العالمية بتناول الفرد الواحد السمك مرتين أسبوعياً، لكنّ حظ الفرد الجزائري لا يتجاوز كيلوغرامين اثنين فحسب سنوياً. أما الحكومة فتشير، بحسب وزير الصيد السابق سيد أحمد فروخي، إلى أنّها تطمح إلى وصول 200 ألف طن من السمك سنوياً إلى الموائد. مع ذلك، فإنّ ما يبدو ظاهراً أكثر هو أنّ الجزائريين قد يحتاجون إلى وقت طويل ليستعيدوا موائد السمك كما كانوا من قبل.