"عائشة قنديشة" هذه الجنيّة المغربيّة

"عائشة قنديشة" هذه الجنيّة المغربيّة

18 فبراير 2017
تقي من العين الشريرة (بول غروغان/ Getty)
+ الخط -

خرافات وأساطير كثيرة تحيط بالمغاربة. ثمّة ما يرتكز منها على أحداث تاريخية قديمة، وثمّة عادات تدخل في باب التطيّر والفأل السيئ، وثمّة ما ابتدعته التقاليد المغربية الشعبية.

مغاربة كثر، خصوصاً من النساء والفقراء، يؤكدون أنّ معتقداتهم تلك ليست خرافات، بل واقعاً معاشاً وحقيقياً لمسوا تفاصيله. لكنّ آخرين يرون أنّه لم يعد من مكان للخرافات والأساطير التي تتغذى على الشعوذة والاعتقادات الخاطئة في مجتمع يحاول التخلي عن ثوب التقاليد ليلبس رداء الحداثة.

من الخرافات الشهيرة في المجتمع المغربي، أسطورة "عائشة قنديشة". هي بحسب المعتقدات الشعبية كائن ينتمي إلى عالم الجنّ غير المرئي، تؤذي الأطفال خصوصاً، فتلتهم أطرافهم انتقاماً من آبائهم وأمهاتهم، أو تعمد إلى "ألاعيب جنيّة" تفرّق من خلالها الزوج عن زوجته. ولهذه الشخصية العجيبة أسماء غريبة عدّة، منها "عائشة قنديشة" و"عائشة الكناوية" و"بغلة المقبرة" و"مولات المرجة" (سيدة المستنقعات). المعتقد الشعبي ينسبها إلى كل ما هو مائي، من أنهار وبحار.

امرأة مقاومة

يقول الباحث في التراث الشعبي والأساطير المغربية، محمد شماخ، لـ"العربي الجديد"، إنّ شخصية "عائشة القديسة" - ثمّة من يقول إنّها "عائشة الكونتيسة" - تعدّ أشهر الشخصيات الأسطورية في المغرب. يضيف أنّ لها بالفعل تأثيراً قوياً على أفكار البعض ومعتقداته. يضيف أنّه "نظراً إلى الغموض الذي يحيط بهذه الشخصية التي تحوي كلّ تفاصيل الأسطورة، من بعد تاريخي إلى جمال أنثوي إلى قصص بطولات وشهامة وحب، فإنّ عائشة قنديشة باتت لها عند المغاربة مكانة يصعب تجاهلها، تشكّلت عبر السنوات في قلب التراث الشعبي". ويتابع أنّ "المغاربة كثيراً ما ينسبون إلى هذه الشخصية أوصافاً غريبة يصعب تصديقها. ومنها أنّ هذه المرأة الجنيّة تظهر بقوائم حيوانات وأنّها تجمع بين الوجه النسائي الجميل والأطراف الحيوانية القبيحة". ويرى شماخ أنّ "حقيقة عائشة قنديشة تخالف تماماً ما يظنّه كثيرون، ولا سيما من أبناء الطبقات الشعبية التي تميل إلى تصديق الخرافات، وكذلك النساء". ويشرح أنّ "أصل هذه الشخصية يعود إلى القرن الخامس عشر. فهي كانت امرأة مجاهدة قدّمت العون إلى الجيش المغربي لمحاربة البرتغاليين، فكانت قوّة ممانعة صدّت هجومات جنود البرتغال، إلى أن ساد الاعتقاد حينها بأنّ عائشة هذه كائن جنيّ وليست شخصاً بشرياً".

من جهتها، تقول الباحثة في علم الاجتماع ابتسام العوفير لـ"العربي الجديد"، إنّ "هذه الشخصية الأسطورية التي يتداول قصصها ملايين المغاربة عن جهل لحقيقة التاريخ، إنّما هي تنفيس اجتماعي ونفسي تلجأ إليه بعض الطبقات الاجتماعية، لا سيما الفقيرة منها وغير المتعلمة من أجل تعويض نقص ما". تضيف أنّ "الأمر يتعلق بإسقاطات نفسية واجتماعية لمغاربة كثيرين يبرّرون بها خوفهم من المستقبل ومن الغامض المقبل. فيحذّرون الأطفال من جنيّة اسمها عائشة قنديشة، ويشلّون حركة أبنائهم وشقاوتهم بإطلاق فزاعة قنديشة. كذلك يروّجون للقدرات الخارقة لشخصية في خيالهم، تعويضاً عن ضعفهم الاجتماعي والاقتصادي".




"خميسة" ودماء

إلى "عائشة قنديشة" التي يؤمن جزء لا بأس به من المغاربة بتأثيرها على حياتهم، ثمّة معتقدات كثيرة متفشية في المجتمع، من قبيل الاعتقاد بتأثيرات العين الشريرة. فتلجأ النساء إلى وضع "خميسة"، وهي سلسلة من ذهب أو فضة توضع في معصم اليد أو حول العنق، يتّقي بها الناس خصوصاً الإناث والرضّع أذى عيون الحاسدين.

ومن العادات الأخرى التي يعتقد البعض بأنّها تقيهم السحر والعين الشريرة وتجلب لهم حظاً طيباً ورزقا وفيراً، تعليق حدوة حصان على جدران المحلات التجارية، فيكثر الزبائن ويدفع شرور الحساد من أصحاب المحلات الأخرى. بعض آخر يعمد إلى رسم اليد بأصابعها الخمسة على باب دكان، اعتقاداً بأنهّا تحمي كذلك من "صيبة العين".

إلى ذلك، يعتقد عدد من المغاربة بضرورة إراقة دم خروف أو بقرة أو حتى دجاجة عند الانتقال إلى منزل جديد. من شأن ذلك أن يحمي سكان البيت من شرور الجنّ طيلة فترة إقامتهم. وفي حال لم يتمكّن ساكن المنزل الجديد من شراء كبش أو بقرة للذبح في الليلة الأولى، فهو قد يلجأ إلى رشّ المنزل بالحليب وماء الزهر، اعتقاداً منه بأنّ ذلك يطرد الشرور المحيطة بالمنزل ويجلب البركة واليمن.

حذاء مقلوب

ويتطيّر المغاربة كذلك من بعض ما يشاهدونه أو يسمعونه في حياتهم اليومية. مثلاً، إذا شاهد أحدهم حذاءه مقلوباً، أسرع إلى تغيير وضعه وتسويته مخافة أن يحدث له سوء ما خلال اليوم. فهو يعتقد بأنّ الحذاء المقلوب قد يعني انقلاباً سيئاً في حياته. إلى ذلك، قد يتطيّر البعض من سماع نهيق الحمار في الصباح، ويعدّ ذلك مؤشراً إلى أنّ يومه لن يمرّ على خير.

لا تنتهي الخرافات والمعتقدات الغريبة التي يتعلق بها المغاربة، أقلّه بعض منهم. فتُمنع الفتيات الصغيرات على سبيل المثال من تناول مخّ الخروف في عيد الأضحى، إذ ذلك يعني أنّ حفل زفافها مستقبلاً سوف يصادف في فصل الشتاء، وهو أمر غير محبّذ. كذلك، ثمّة أمهات يمنعن بناتهنّ من لحس صحونهنّ عند الانتهاء من تناول الطعام، بدعوى أنّ ذلك قد يجعل عرسها في أجواء ماطرة وغير سعيدة.

حذار من تجاوزه وهو نائم

كما هي حال المتوجّسين الدائمين، لا سيّما الخائفين من العين الحاسدة وما إليها، كذلك فإنّ ثمّة مغاربة يعتقدون جازمين بضرورة تفادي تجاوز طفل وهو نائم. من شأن ذلك أنّ يحدّ من طوله، بالتالي يبقى "قزماً" طوال حياته. وفي حال حصل ذلك، يُطلب سريعاً من الشخص الذي فعل أن يعيد الكرّة وإنّما في الاتجاه المعاكس، حتى لا يتوقّف نموّ الصغير. إلى ذلك، يتطيّر المغاربة من فتح المظّلة داخل البيت إذ من شأن ذلك أن يجلب الخراب إلى أهله.