أفارقة في المغرب... مهاجرون من العبور إلى الاستقرار

أفارقة في المغرب... مهاجرون من العبور إلى الاستقرار

14 فبراير 2017
في الرباط، ينتظرون تسوية أوضاعهم (فاضل سنا/ فرانس برس)
+ الخط -

يلجأ مهاجرون أفارقة إلى المغرب، لعلّه يكون نقطة عبور لهم إلى أوروبا. يتعّذّر الأمر على كثيرين، فيستقرّون هنا. اليوم، ثمّة أمل لبعض هؤلاء، إذ تطرح السلطات إمكانية تسوية أوضاعهم.

قبل سنوات، كانت عينا فرانك دوفاليز تفضحان الخوف الذي يشعر به وكذلك ترقّبه الدائم. اليوم، تعبّر نظراته عن أمل وعن شيء من الأمان. هو مهاجر سنغالي يسكن في إحدى مدن المغرب، بعدما بقي لسنوات يقيم بطريقة غير قانونيّة في ضواحي الرباط.

ليس فرانك الوحيد الذي لم يعد يخاف الوقوع بين أيدي الشرطة المغربية، بل مثله مئات المهاجرين الآتين من أفريقيا جنوب الصحراء، والذين تلقفوا قرار المغرب بتسوية أوضاعهم القانونية بكثير من الحبور والتفاؤل. هؤلاء، وعملاً بـالمرحلة الثانية لتسوية أوضاع المهاجرين الأفارقة التي أعلنت عنها السلطات المغربية أخيراً قدّموا أوراقهم الثبوتية للحصول على إقامة قانونية. لكنّ آلاف المهاجرين الأفارقة لا يستوفون شروط التسوية. دانيال واحد منهم، ما زال يقبع في أحد الأحياء الشعبية في مدينة سلا، في انتظار الوقت المناسب لتسوية أوضاعه.

هذه قصّة دانيال

يحكي دانيال لـ "العربي الجديد" بعض تفاصيل رحلته من مالي (وطنه) إلى المغرب. "خرجت من البلاد في عام 2013 بسبب الحرب، وقطعت آلاف الكيلومترات. تارة، سيراً على الأقدام، وتارة أخرى في سيارات وحافلات، إلى أن وصلت إلى الجزائر. منها، تمكّنت من التسلل عبر الحدود الشرقية إلى مدينة وجدة". بعدها، اتجه صوب ضواحي مدينة الناظور (شمال) ولجأ إلى غابة غورغو التي تؤوي مهاجرين أفارقة غير شرعيين، يتحيّنون الفرصة من أجل التسلل عبر سياج مدينة مليلية وبلوغ الضفة الأوروبية. يضيف: "قضيت بضعة أشهر في تلك الغابة. كنّا نختفي نهاراً عن أعين الأمن والفضوليين، ونمكث فيها، فيما نقصد ليلاً شوارع الناظور من أجل كسب لقمة العيش، إمّا بالتسوّل وإمّا ببيع بعض الأشياء التافهة مثل العلكة والمناديل الورقية". ويشير إلى أنّهم كانوا دائماً في ما يشبه "لعبة القط والفأر مع السلطات الأمنية".

ويتابع دانيال: "سئمت كثيراً من فترة مكوثي في تلك الغابة، إذ طالت. كذلك، شهدت فشل محاولات زملاء لي في اقتحام سياج مدينة مليلية، بسبب تشديد المراقبة الأمنيّة سواء من طرف السلطات المغربية أو تلك الإسبانية". دفعه ذلك إلى اتّخاذ قراره بالانتقال إلى مدينة كبيرة لعله يجد "فرصة عمل هامشيّة". فاختار الانضمام إلى بعض رفاق له في حيّ المعاضيد الشعبي، وهو حيّ معروف في ضواحي العاصمة المغربية. يقول: "هناك، في المعاضيد، استقريت في بيت يقع في زقاق هامشي، يتكدّس فيه خمسة مهاجرين آخرين من جنسيات مختلفة. كلنا تجمعنا الرغبة في العيش بأبسط مقوّمات الحياة الكريمة، ونتطلّع إلى أن تطأ أقدامنا ما نعدّه الفردوس الأوروبي".

المغرب كان بداية بلد عبور بالنسبة إلى هذا المهاجر المالي، لكنّه تحوّل إلى بلد للاستقرار. فهو استطاع أن يضمن قوت يومه من جرّاء عمله في قطاع البناء، في ورش لتشييد المنازل والعمارات. يفعل ذلك من دون رخصة ولا أوراق، في انتظار أن يستوفي شروط تسوية الأوضاع القانونية للمهاجرين الأفارقة المستقرّين في المغرب.




إسكافيون وبنّاؤون

قصّة دانيال تشبه قصصاً كثيرة رواها مهاجرون أفارقة غير شرعيين لـ "العربي الجديد". جميع هؤلاء، دانيال من بينهم، رفضوا كلياً التقاط أيّ صور لهم لأسباب أمنية وشخصية. فهؤلاء ما زالوا يعيشون في "سريّة" وتنتابهم هواجس وأمان. أمانيهم تتوزّع بين اقتحام سياج مليلية يوماً ما، بهدف الالتحاق بالضفة الإسبانية من جهة، وبين المكوث في المغرب والاستفادة من أيّ فرصة عمل مهما كانت طبيعتها، في انتظار تسوية أوضاعهم وفق شروط مضبوطة.
كامارا على سبيل المثال، شاب من ساحل العاج. يخبر أنّه اختار الاستقرار في المغرب مؤقتاً، "إلى أن تتضح الرؤية لديّ. تركت قريتي التي تُعدّ واحدة من القرى الفقيرة والمهمّشة، ووجدت في مهنة الإسكافي ملاذاً لي ولقمة عيش أنالها بكرامة". في أحد أحياء الرباط الشعبية، يعمل "عوضاً عن مدّ اليد للتسوّل بالقرب من المساجد"، مثلما تفعل أعداد من المهاجرين غير الشرعيين.

العمل إسكافياً، لم يجذب كامارا وحده، بل كذلك مهاجرون أفارقة لم يحصلوا بعد على الوثائق القانونية للإقامة في المغرب. يقول ابن ساحل العاج: "صحيح أنّه عمل يتطلب صبراً وقوّة تحمّل، إلا أنّه لا يحتاج إلى رأسمال كبير. وشروطه من الممكن تحقيقها بسهولة من قبل المهاجر الإفريقي".

في السياق، تقول الباحثة الاجتماعية ابتسام العوفير لـ"العربي الجديد"، إنّ "مهنة الإسكافي ليست وحدها التي تستقطب اليد العاملة الأفريقية غير المرخّصة وغير المدرّبة في المغرب. فهم يلجؤون إلى العمل في مجال البناء". تضيف أنّ "ذلك النوع من العمل يستوجب قوة بدنية وصبراً وتحملاً للمشقات، وهي صفات متوفّرة لدى المهاجر الأفريقي". وتتابع أنّ "المهاجرين الأفارقة الذين يحلون في المغرب يدركون تماماً أنّهم معرّضون لخطر الاعتقال والترصّد الأمني، بالتالي يقبلون العمل بأيّ مهنة، مهما كانت ولقاء أيّ بدل ماليّ كان. هم لا يستطيعون فرض شروطهم في سوق الشغل، ريثما يتحيّنون فرصاً اجتماعية أفضل".

المغرب دركي إسبانيا

إلى الاستقرار في المغرب، يأمل كثيرون من المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين الذين يتّخذون من المغرب حالياً ملجأ لهم، أن يجدوا فرصة لمغادرة البلاد والالتحاق بالضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط. فيعمدون إلى مختلف الطرق والوسائل غير القانونية، ومنها اقتحام السياج الشائك حول مدينة مليلية الموضوعة تحت السيادة الإسبانية. فيكون ذلك خطوة في اتجاه إسبانيا.

ويتدفق مهاجرون أفارقة عبر "قوارب الموت" في البحر الأبيض المتوسط لبلوغ "الحلم الأوروبي". لكنّه حلم تحوّل في السنوات الأخيرة إلى كابوس، إمّا بسبب حوادث انقلاب القوارب وغرق كثيرين من هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين، أو بسبب تشديد المراقبة الأمنية من قبل السلطات المغربية والإسبانية على حدّ سواء.

في السنوات الأخيرة، أضحت السلطات المغربية تشدد المراقبة حول سياج مليلية، وتتربص بمحاولات التسلل بحراً عبر قوارب في اتجاه إسبانيا. كذلك اتفقت مع السلطات الإسبانية على إعادة المهاجرين غير الشرعيين. وهذا الاتفاق بين المغرب وجارته الشمالية، رأى فيه المراقبون "لعباً لدور الدركي الذي يحمي حدود أوروبا"، ويمنع عنها تدفّق المهاجرين الأفارقة وطالبي اللجوء، وذلك لمصالح سياسية متبادلة. هكذا، ترتاح أوروبا من موجات الهجرة غير الشرعية التي تولّد لها مشاكل أمنية واجتماعية كبيرة، فيما يحصل المغرب في المقابل على دعم إسبانيا والبلدان الأوروبية الأخرى في قضية الصحراء المتنازع عليها".

لعب المغرب لدور دركي أوروبا رفضته العديد من المنظمات الحقوقية المغربية، ويقول في هذا الصدد محمد بنعيسى، رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، إن الاتفاق الثنائي بين البلدين القاضي بإعادة قبول المهاجرين الموقوفين في وضعية غير شرعية، وترحيلهم من إسبانيا إلى المغرب يجعل من المملكة بلد استقبال مرغمة".

وأما محاولات تسلل المهاجرين الأفارقة عبر سياج مليلية فصار أكثر تعقيداً من قبل، فبين الفينة والأخرى تصدر بيانات من وزارتي الداخلية المغربية والإسبانية تفيد إحباط محاولات تسلل مهاجرين غير نظاميين، آخرها عملية إحباط اقتحام السياج من طرف زهاء 800 مهاجرا غير شرعي، حاولوا اقتحام سبتة المحتلة".

وأصيب في هذه العملية التي تعود إلى بداية السنة الجارية، خمسون شخصا بينهم مهاجرون أفارقة وأفراد من قوات الحدود الإسبانية، وكذلك 10 أفراد من رجال الأمن المغربي بجروح بليغة، ما دفع المغرب إلى إعلان استثناء المهاجرين المتورطين في محاولات التسلل إلى إسبانيا من البرنامج الذي أطلقته الحكومة لتسوية وضعية المهاجرين غير الشرعيين.



عملية التسوية

بالعودة إلى تسوية أوضاع المهاجرين الأفارقة، يُذكر أنّ الحكومة المغربية أطلقت المرحلة الأولى من برنامج التسوية في عام 2013، وهو يقضي بمنح الإقامة إلى مهاجرين غير شرعيين يقيمون على أرض المملكة. وبالفعل، استفاد منه 23 ألف مهاجر أفريقي غير شرعي، قبل أن تُطلق المرحلة الثانية منه في نهاية عام 2016 المنصرم.

وقبل فترة، سُجّلت مستجدات هامة في إطار تسوية أوضاع المهاجرين الأفارقة، وقد تمثّلت في قرار السلطات المغربية، بناء على أوامر ملكية، بتمديد صلاحية بطاقة الإقامة إلى ثلاث سنوات، لأنّ تحديدها بسنة واحدة يعرّض المهاجرين لمشكلات عدّة ويعوّق عمليّة اندماجهم وظروف عيشهم في المجتمع المغربي.

تعليقاً على ذلك، يقول مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور خالد الشرقاوي السموني، لـ"العربي الجديد"، إنّ "السياسة الجديدة للهجرة تقوم على تسهيل إدماج المهاجرين في المغرب في النظام التعليمي، وضمان حصولهم على العلاج في المستشفيات المغربية، ومنحهم الحقّ في السكن وفق القوانين المغربية، وتقديم مساعدات قانونية وإنسانية لهم، وتسهيل الحصول على عمل". وأوضح السموني أنّ "النموذج المغربي في مجال الهجرة يعدّ خطوة جريئة على مستوى تعزيز انخراط المغرب في العمل من أجل تقديم أجوبة لإشكالية الهجرة. ويندرج ذلك في إطار مسار استراتيجي حقيقي وضعه المغرب في إطار توجّهه إلى تفعيل التعاون جنوب/ جنوب".

ويقدّر السموني أن "يرتفع عدد المهاجرين الذين سُوّيت أوضاعهم. في عام 2013، كان عددهم 23 ألف مهاجر، لكنّه مرشّح إلى زيادة كبيرة بعد انطلاق المرحلة الثانية من التسوية". ويشرح أنّ "للمهاجر الحق في الحصول على بطاقة الإقامة وفق شروط محدّدة، منها أن يكون قد مضى على استقراره في البلاد خمس سنوات على أقل تقدير". ويؤكّد السموني على أنّ "السياسة الجديدة للهجرة الرامية إلى تسوية أوضاع المهاجرين الأفارقة الراغبين في الاستقرار نهائياً في المغرب، تعترف بطريقة ضمنية بأهمية المهاجرين في تطوير الاقتصاد الوطني، وذلك عبر اشتغالهم في مجموعة من الميادين الصعبة وإعادة استثمار أموالهم المكتسبة داخل المملكة". لكنّه يستدرك قائلاً إنّ "هذه السياسة غير معزّزة بقوانين حديثة للهجرة. ثمّة قانون واحد يرعى موضوع الهجرة في المغرب. هو قانون أساسي ومهم، لكنّ الهاجس الأمني يطغى عليه، للأسف، بدلاً من المقاربة التنموية". ويوضح أنّ "المغرب في حاجة إلى قانون جديد ينظّم عملية الهجرة ويضبط إقامة الأجانب على أراضيه".

المساهمون