اسمها "فلسطين" في مدارس لبنان

اسمها "فلسطين" في مدارس لبنان

07 ديسمبر 2017
ماذا يتعلمن؟ (حسين بيضون)
+ الخط -
تختلف المدارس في لبنان ما بين رسمي مجاني، وأهلي نصف مجاني، وخاص ترتفع رسومه السنوية إلى أرقام تصل إلى حدّ خيالي، خصوصاً في حالة المدارس الغربية، فرنسية وأميركية وبريطانية وألمانية، والتي يتجاوز قسطها السنوي 6 آلاف دولار أميركي.

تحكم تعميمات المنهاج التعليمي لوزارة التربية معظم المدارس، سواء باعتماد الكتب الصادرة عن "المركز التربوي للبحوث والإنماء" مباشرة أو الالتزام بتوصياته، خصوصاً إذا ما ترافق الأمر مع قرارات ملزمة صادرة عن الوزارة. لكنّ المدارس الأجنبية لا تلتزم بالمنهاج بالضرورة، بل تعتمد منهاج دولها الأساسية وتفرض على التلاميذ أن يكونوا مختلفين في تربيتهم وتنشئتهم عن أقرانهم من معظم تلاميذ لبنان. تسهّل الأمر مراسيم حكومية ورئاسية عبرت من خلال مجلس النواب اللبناني وكرّست قانونية شهادة البكالوريا الفرنسية، أولاً ثم قانونية شهادة البكالوريا الدولية أخيراً.

تلك المناهج الأجنبية تحتوي ما قد يخالف القوانين اللبنانية في مجالات مختلفة عدا عن مخالفتها الأعراف في أحيان عديدة. القانون الأكثر تصادماً مع هذه المناهج هو "قانون مقاطعة إسرائيل" الصادر عام 1955، خصوصاً مع إيراد لفظ "إسرائيل" مكان فلسطين كجارة جنوبية للبنان. وهو ما شدد عليه مجدداً تعميم لوزير التربية مروان حمادة قبل أسبوعين فقط مشيراً إلى أنّ "وزارة التربية والتعليم العالي تطلب من جميع المسؤولين عن الثانويات والمدارس الرسمية والخاصة عدم اعتماد أيّ كتب مدرسية تتضمن كلمة (إسرائيل) بدلاً من كلمة (فلسطين)، وضرورة التقيّد بما تنص عليه القوانين اللبنانية في موضوع التعامل مع العدو الإسرائيلي".

بالرغم من ذلك، علم المحامي لؤي غندور من ابنته نور (9 سنوات) التي تدرس في الصف الرابع الابتدائي في مدرسة فرنسية (ليسيه فردان) أنّ معلمتها الفرنسية وزّعت على التلاميذ خريطة للبنان ظهرت فيها كلمة "إسرائيل" مكان فلسطين، وقد جادلتها نور مراراً، لكنّها أصرّت على أنّ "لبنان دولة تحدّها من الجنوب إسرائيل" وأجبرت التلاميذ على كتابة ذلك على دفاترهم. يقول غندور لـ"العربي الجديد" إنّ ابنته قالت للمعلمة أوريلي غير مرة إنّ هذا خطأ وإنّ فلسطين هي ما تحدّ لبنان جنوباً، فأجابتها المعلمة: "جلبت الخريطة من غوغل، هل تعرفين أكثر من غوغل؟".

نشر غندور رسم الخريطة والعبارة التي أملتها المعلمة بخط يد ابنته على حسابه الشخصي في "فيسبوك" فكان هناك تفاعل كبير جداً، خصوصاً مع تزامن الحادثة مع ترقب الإعلان الأميركي عن نقل السفارة الأميركية إلى عاصمة فلسطين القدس، التي يتخذها الصهاينة بدورهم عاصمة لكيانهم. هذا التفاعل دفع إدارة المدرسة صباح أمس الأربعاء إلى نشر بيان على صفحتها الرسمية باللغات الثلاث، الفرنسية والإنكليزية والعربية، تقول فيه بالحرف: "تأسف إدارة الليسيه الفرنسية اللبنانية - فردان لما حدث، وتمّ تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، وتستنكر هذا الأمر بشدّة و تؤكّد احترامها المطلق لسيادة لبنان وتاريخه وتشدّد على التزامها بالمناهج المدرسية المعتمدة".

يؤكد غندور أنّ الخريطة هي من خارج المنهاج المعتمد، وهي اجتهاد شخصي من المعلمة، وأنّ ابنته لم تكن الوحيدة المحتجة بل تلاميذ كثر، خصوصاً أنّه تنبّه لذلك عندما سمع حديث ابنته وزميلة لها في منزله بعد عودتهما من المدرسة أمس الأول الثلاثاء، إذ بدأتا في نقاش الاسم مع زملاء آخرين برسائل صوتية عبر "فيسبوك". يعلق: "تلاميذ هذه المدرسة بالذات هم من بيئة تعرف جيداً فلسطين ومكانتها، هم من بيئة قدمت شهداء في سبيل القضية".

رسم الخريطة والعبارة كما نشرهما غندور مع ردود المدرسة (عن فيسبوك) 





يشير إلى أنّه سيتقدم بشكوى شخصية على المعلمة في حال لم تتخذ إجراءات في حقها. أما مكتب استعلامات المدرسة فلم يتمكن من وصل "العربي الجديد" بأيّ مسؤول إداري للتعليق بعد عدة محاولات، وأكد لنا الاكتفاء بالبيان المنشور على صفحة المدرسة الرسمية حالياً.

من جهتها، تعلّق رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء الدكتورة ندى عويجان: "ليست من صلاحية المركز مراقبة الكتب المستوردة بل هي صلاحية الأمن العام. نحن نراقب الكتب المحلية ونقيّمها ونبدي الرأي في خصوصها". وتنتقل إلى قضية أكبر وهي المناهج الأجنبية المعتمدة في لبنان "المركز (مؤسّسة وطنية تُعنى بالتحديث والتطوير التربوي) لديه تحفظ على كلّ المعادلات، خصوصاً تلك المتعلقة بالبكالوريا الدولية. فالمركز مع أيّ تطوير في مجال التربية شريطة عدم ضرب البكالوريا اللبنانية، وقد ضربت بالفعل بإقرار البكالوريا الدولية".

بدوره، يقول العضو المؤسس في حملة مقاطعة داعمي "إسرائيل" في لبنان سماح إدريس: "ما في إمكاننا فعله كحملة هو فضح بعض القضايا، وليس في إمكاننا محاربة كلّ الفكر الاستشراقي وكلّ نظم التعليم الاستعماري". يعقب: "لكنّ الجيد أنّ المجتمع نفسه يستنكر ما يجري، وهي نقطة إيجابية ونتيجة لعملنا في المقاطعة وترسيخها وعدم الاستخفاف بوجود إسرائيل". وينبّه إلى نقطة مهمة: "لا بدّ من أن تفرض المدرسة على المعلمين أن يحذروا التلاميذ انسجاماً مع قانون المقاطعة أنّ لبنان لا يعترف إلاّ بفلسطين".

في هذه الأجواء كلّها، يبدي غندور سعادته وفخره بابنته، لتمكّنها من مواجهة شكل آخر من أشكال التطبيع، ولو على مستوى خريطة في صف ابتدائي، فاسم الأرض فلسطين ولا شيء غير فلسطين.

المساهمون