ديكتاتورية كأس العالم

ديكتاتورية كأس العالم

06 ديسمبر 2017
الكأس التي تسلب العقول (شون بوتيريل/ Getty)
+ الخط -
في كلّ بطولة عالمية ينقسم المشجعون أينما كانوا ما بين الفرق والمنتخبات المعروفة، أي التي نالت حظوة التتويج أو لامستها على الأقل. بطولة كأس العالم  لكرة القدم لا تشذّ عن ذلك. فالمونديال الذي سحبت قرعة مجموعاته الثماني نهاية الأسبوع الماضي أجج الحماس إلى أقصى حدّ.

صحيح أنّ إيطاليا وهولندا تغيبان، لكنّ التعويض قائم في منتخبات ذات جماهيرية مماثلة أو أكبر حتى. وتنحصر الجماهيرية العابرة للبلدان بين تلك المنتخبات وهي تحديداً البرازيل وألمانيا والأرجنتين وإسبانيا وفرنسا، وإلى حدّ ما البرتغال وإنكلترا. أما بقية المنتخبات فلا تجد جماهير غالباً إلا من مواطنيها، وحتى مواطنوها أنفسهم يشجعون معها منتخبات أخرى، فالمصري يشجع البرازيلي مثلاً، والسويدي يشجع الألماني ربما، والنيجيري يشجع الإنكليزي، وعلى هذا المنوال.

في كلّ بطولة يجري الفرز التلقائي بين الجماهير، يبرز التعصب لمنتخبات تبتعد جغرافياً ولغوياً وثقافياً مسافات هائلة أحياناً. فكرة كرة القدم لغة عالمية كما الموسيقى، هكذا تقول القاعدة المعتادة. لكنّ التعصب، إلى جانب أخذه جانباً استهلاكياً كبيراً تلعب عليه العلامات التجارية الكبرى فتعتبر مناسبة كالمونديال موسماً اقتصادياً يشترك فيه كلّ الكوكب، يتخذ جانباً ثقافياً أساسياً يبرز في الأزياء والزينة والأعلام المعلّقة على الجدران والشرفات والسيارات.

وما هو أعمق من ذلك يرتبط أكثر بجانب اجتماعي يحدد تشكل الجماعات. وفي موسم مثل كأس العالم تتشكل الجماعات تلك وفقاً لتأييد منتخب من المنتخبات حتى تصبح هذه الجماعة ألمانية وتلك الجماعة برازيلية، وغيرها أرجنتينية. وتتماهى الجماعة مع ما تظنّ أنّها خلائق المنتخب الذي تؤيده، فلهؤلاء القوة، ولأولئك الفن، ولغيرهم الصلابة والصمود، ولآخرين المبادرة الهجومية، ولبعضهم النفس الطويل.

وكجماعات متشكلة تحتل المشهد بالكامل، فهي تمتاز بسطوة وسلطة تحكم الثقافة الخارجة عن حدودها المرسومة بكرة القدم فحسب، فتضم أشخاصاً لا ميل لديهم للعبة أساساً، إلى تعصبهم.
وحتى مشجعو منتخبات لم تنجح في الوصول تجد لنفسها الانحياز اللازم إلى منتخب بديل على أسس مختلفة منها ما يرتبط بتأييد لاعب من اللاعبين فحسب.

لكنّ هؤلاء لا يتقبلون غالباً أن يكون هناك مشجعون لمنتخب صغير لم ينل أيّ بطولة يوماً. هم يستغربون ذلك وينكرونه ولا يصدقونه حتى، لكن ما المانع أن يشجع لبناني مثلاً صربيا؟ وما المانع أن يكون أحدهم من أيّ جنسية كانت لا يشاهد المونديال من أصله ولو أنّه يحبّ كرة القدم؟ ربما نجد الجواب في منظومة اقتصادية تحكمنا وتخترق ثقافتنا وتؤدلجنا وتحوّل قيمنا نحو أنماط محددة دون غيرها... أقول ربما.

المساهمون