المغربية سعاد عيّادة رئيسةً للمجلس الأعلى للبرامج في فرنسا

المغربية سعاد عيّادة رئيسةً للمجلس الأعلى للبرامج في فرنسا

05 ديسمبر 2017
سعاد عيادة اختيرت نتيجة الثقة في مؤهلاتها (تويتر)
+ الخط -

بعد أن تولّت نجاة فالو-بلقاسم، وهي من أصول مغربية، منصب وزيرة التربية الوطنية في فرنسا، خلال سنوات حكم الرئيس السابق فرانسوا هولاند، قرر وزير التربية الوطنية في حكومة إيمانويل ماكرون، جان ميشيل بلانكير، يوم 23 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تعيين سعاد عيادة، وهي من أصول مغربية أيضاً، على رأس المجلس الأعلى للبرامج.

وأثار هذا التعيين ذهول الكثيرين، إذ لا يُعرف عنها الشيء الكثير، في أوساط النقابات والمدرّسين، عدا أصولها الأجنبية وتخصصها في الروحانيات الإسلامية.

لم تكن سعاد عيادة، 47 عاماً، معروفة في فرنسا خارج الأوساط الجامعية، إلى درجة أثارت بعض السخرية، عقب إعلان صحيفة "لوموند" الخبر في البداية، ظانة أن الأمر يتعلق برجل، قبل أن تصحح خطأها.

يتعلق الأمر بباحثة متميزة حاصلة على الدكتوراه، وعلى شهادة التبريز في الفلسفة في سن الثالثة والعشرين، وهو ما أتاح لها أن تمارس التدريس في مدارس ثانوية وفي الأقسام التحضيرية، في أكاديميات "ليل" بشمال فرنسا، و"كريتاي" في جنوب شرق باريس، قبل أن يتم تعيينها مفتشة تربوية إقليمية في الفلسفة في أكاديميات ليون وغرونوبل وباريس وأورليان وتور، ثم مفتشة عامة في التربية الوطنية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، قبل أن تحل محلّ الجغرافي ميشيل لوسوت، الذي قدّم استقالته الصاخبة، في 26 سبتمبر/أيلول 2017، على رأس "المجلس الأعلى للبرامج".

والسؤال الذي يراود كثيرين هو هل ستستطيع سعاد عيادة أن تفرض نفسها على رأس المجلس الأعلى للبرامج، وهي المتخصصة في الفلسفة والروحانيات الإسلامية، والتي أصدرت سنة 2002 مؤلَّفاً عن الفيلسوف العربي ابن سينا، وكتابا ثانيا بعنوان "إسلام التجليات: دين أمام امتحان الفن"، وهو في الأصل رسالة دكتوراه في الفلسفة أنجزتها في جامعة "رونيه ديكارت" في مدينة بواتييه، إضافة إلى مقالات عديدة عن استيتيقا الإسلام والفنون الإسلامية، وعن ماسينيون، وعن "السياسي في ظل الديني".



ويُعد المجلس، الذي تولت عيادة رئاسته، مجلسا من الخبراء ومن البرلمانيين، من اليسار واليمين، رأى النور سنة 2013 مع الرئيس هولاند، بهدف جعل البرامج التعليمية شفّافة.  والحقيقة أن هذا المجلس لم يستطع، حتى الآن، أن يفرض نفسه، لتسببه في خلق سجال حول برامج المدارس الإعدادية.

ولا يخفى على المختصين بهذا الأمر، أن اختيار الوزير لسعاد عيادة لم يأت من فراغ، فمسارها التعليمي يشهد لصالحها، ليس فقط في حصولها على شهادة التبريز في شعبة صعبة للغاية، وهي الفلسفة، بل لأنها تملك أيضا تجربة حقيقية في التعليم وفي البحث العلمي. كما أن زملاءها في المفتشية العامة اختاروها عميدة، وهو ما يدل على ثقتهم في أهليتها.

والحقيقة أن اختيار الوزير كان موفّقا، لأسباب عديدة، منها أن سعاد عيادة هي ثمرة المدرسة العمومية في فرنسا، كما أنها المثال الدال على نجاح الاندماج على الطريقة الفرنسية، أي الاندماج عن طريق المدرسة والتعليم. فسعاد وُلدت في المغرب سنة 1970، ووصلت إلى فرنسا وهي في سن الرابعة، ونجحت في دراستها بشكل لافت.

ولا شك أن سعاد عيادة تملك المؤهلات الضرورية كي تحل محلّ الجغرافيّ ميشيل لوسولت المستقيل، بسبب اختلافات حادة مع وزير التربية الوطنية، والذي حلّ بدوره محلّ ألان بواسينو، الذي انسحب، هو الآخر، سنة 2014، بعد عجزه عن الوصول إلى اتفاق مع أعضاء المجلس الآخرين. وهو ما دلّت عليه ردود الفعل المرحّبة بهذا التعيين، والتي لم تُخْف أملها في أن يضطلع المجلس الأعلى للبرامج بمسؤولياته، في ظل تنسيق مع الأطروحات الوزارية، وليس في تلاسُن وصراع معها.

متعمفة في الدراسات الإسلامية(تويتر) 



كما أن رئيس المجلس السابق، ميشيل لوسولت، عبّر عن أمله في نجاح المسؤولة الجديدة في مهمتها، وأيضا في إنجاز المجلس للمهام التي يتصدى لها.

وتتلخص مهمة سعاد عيادة في هذه الوظيفة الجديدة، في إرساء حوار حقيقي وهادئ مع المدرّسين والنقابات، والذي كان متوترا لحدّ الساعة، منذ تعيين وزير التربية الوطنية، الذي تنظر إليه كثير من النقابات، وهي في الغالب يسارية، على أنه رجعيّ ويمينيّ.

وقبل تحريك الحوار وتهدئة النفوس، يتوجّب على سعاد عيادة أن تتصدى للمواد التي يتم تدريسها في الثانويات، والتي يتم تقييمها في البكالوريا.



وتجدر الإشارة، أيضا، إلى أن سعاد عيادة عضوة فعّالة في "مهمة ماتيوت"، نسبة إلى الأكاديمي بيير ماتيوت، الذي كلفه وزير التربية الوطنية بإصلاح امتحان البكالوريا، والذي يوضح مهمته الرئيسية بالقول إنها "الوصول إلى اقتراحات يمكنها أن تفتح الطريق أمام إصلاحات حقيقية يمكن قبولها، بشكل عام، من طرف الأطراف المعنية، لأنّ قناعتي أن الثانوية لا يمكن أن تشتغل كما لو أنها نهاية التاريخ بالنسبة للتلاميذ". وأيضا لأن "الثانوية والبكالوريا يجب عليهما أن يندرجا، حقيقة، في استمرارية للتعليم والتكوين بالنسبة للشباب، الذين سيدرس كثير منهم إلى سن الثالثة والعشرين".

وأخيرا، فإن رئاسة "المجلس الأعلى للبرامج"، وهو إطار لا يخلو من حسابات وحساسيات سياسية، ليس هو نهاية المطاف، ولن تظلّ فيه سعاد عيادة لفترة طويلة، بسبب تعاقب الحكومات، لأن المكان الذي لا يُملّ ولا تلجه السياسة بمفهومها اليومي والمبتذل، هو الفلسفة، التي خبرتها سعاد عيادة بعمق، والتي لن تخذلها أبداً.



المساهمون