مصائب الرستن السورية

مصائب الرستن السورية

30 ديسمبر 2017
دفء (عامر المحيباني/ فرانس برس)
+ الخط -
لم تؤدّ اتفاقيّة خفض التصعيد التي توصّل إليها الفرقاء قبل نحو ستة أشهر في مدينة الرستن في ريف حمص الشمالي، إلى تحسين الواقع الطبي والصحّي في المدينة، إذ تستمرّ معاناة آلاف المدنيين في ظل الحصار الذي يحرمهم من أبسط حقوقهم، بما فيها المستلزمات الطبية، أو حتى الانتقال إلى تلقي العلاج في مناطق سيطرة النظام، بسبب خوفهم من الاعتقال.

تعدّ مدينة الرستن من المناطق السورية الأكثر برداً في فصل الشتاء، ويعيش سكّانها في ظل فقر وبطالة، ويعتمد غالبيّتهم على المساعدات التي يحصلون عليها من أقاربهم خارج سورية، أو مساعدات الجمعيات الإغاثية.

ويقول الناشط الإعلامي يعرب أبو العز لـ "العربي الجديد": "المرفّه في الرستن يستخدم الحطب للتدفئة، وقد وصل سعر الطن منه إلى أرقام قياسية. أمّا باقي الأهالي، فيجمعون ما يتيسر من أغصان أشجار ومواد بلاستيكية وأكياس تالفة لإشعال النار". يضيف أنّ "هذا الواقع السيئ أدّى إلى زيادة إصابة الناس ببعض الأمراض كالزكام والتهاب القصبات الحاد والربو وأمراض الرئة المزمنة، نتيجة استنشاق الغازات الناتجة عن الاحتراق، خصوصاً لدى صغار السن والرضع".

وتعاني المدينة، التي يزيد عدد سكانها عن مائة ألف نسمة، نقصاً كبيراً في الأطباء المتخصّصين، بسبب خروج كثيرين للعمل في المستشفيات الميدانية في مناطق أخرى، أو سفرهم إلى خارج سورية. وبهدف توحيد الجهود الطبية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، أُعلن عن تأسيس مديريّة صحة الريف الشمالي لحمص، بهدف تنظيم الوضع الطبي وتفعيله بشكل أكبر. إلا أن تعدّد مصادر تمويل الهيئات الطبية يؤخّر إتمام الأمر.

وفي ما يتعلّق بالخدمات الصحيّة المتوفرة، يقول عمر، وهو ممرض من المدينة: "يوجد مستشفى ميداني وحيد يضمّ غرفة عمليات واحدة، يديرها طبيب متخصّص بالجراحة العامة وآخر بالعظام، إضافة إلى قسم للعيادات الخارجية فيه طبيبان للأمراض الداخلية وطبيبا أطفال، إضافة إلى طاقم تمريض. ويعتمد المستشفى على الدعم المادي واللوجستي المقدّم من منظمة أطباء بلا حدود الفرنسية". يضيف أنّ "قسماً كبيراً من الطاقم الطبي يضمّ طلاباً جامعيين تركوا جامعاتهم لتقديم الخدمات الطبية، ومنحتهم ظروف العمل القاسية خبرة عملية واسعة".

وتنشط شعبة الهلال الأحمر، التابعة للهلال الأحمر العربي السوري، في مجال الرعاية الطبية، وتضم عيادتين خارجيتين لعلاج الأطفال والأمراض الداخلية. وتعتمد على المواد الطبية التي تدخل المدينة عن طريق مكاتب الأمم المتحدة في العاصمة دمشق.



ونتيجة الحاجة الماسة إلى الخدمات الطبيّة، بادر بعض الكوادر إلى توفيرها بالإمكانات المتاحة، منهم طبيب الأطفال أحمد البيروتي، الذي أسس مركزاً للإشراف على المرضى المصابين بأمراض عصبية ونفسية، والذي بات يقدم خدماته مجاناً لما يزيد عن 600 شخص. كذلك، بادر إلى تدريب ممرضين، والتعاون مع طبيبة متخصّصة خارج المدينة، بدعم من الرابطة الطبية للمغتربين السوريين (سيما). ويقدّم المركز الرعاية لمرضى الأعصاب، إضافة إلى آخرين يعانون من أمراض نفسية.

ويعدّ مكتب رعاية الطفولة والأمومة والأشخاص ذوي الإعاقة في مدينة الرستن إحدى أبرز المبادرات الطبية التي تعوض نقص الخدمات الطبية الحكومية. وكان المركز قد بدأ نشاطه مع بداية حصار المدينة في عام 2012، من خلال مجموعة من المتطوعات، ليتطور ويأخذ شكلاً أكثر تنظيماً، ويخصص الجزء الأكبر من نشاطه للرعاية الصحية الموجهة للأطفال وذوي الإعاقة. ويوزّع المكتب حليب الأطفال بشكل أسبوعي مجاناً على 2500 رضيع من أهالي الرستن والنازحين إليها.

وتقول مديرة المكتب مها أيوب لـ "العربي الجديد": "يجب أن يقدّم الحليب للأطفال تحت سن العامين. لكن نتيجة ضعف الإمكانات، نوزعه على من الذين لم يتجاوزا العام من العمر. ونوصي الأمهات بتقديم أغذية بديلة لأطفالهم، كاللبن وغيرها".

تضيف أيوب: "اليوم، ترعى الجمعية 1450 شخصاً من ذوي الإعاقة، من خلال تقديم الأدوية والملابس والأطراف الصناعية وغيرها".

من جهة أخرى، خلّف استهداف النظام للمدنيين أعداداً كبيرة من الجرحى والمصابين. ويلاحظ الأطباء إدمان هؤلاء على الأدوية المهدئة. ولجأت بعض الأجهزة الأمنية التابعة للفصائل العسكرية في الريف الشمالي لحمص، والمحاكم الشرعية، إلى أسلوب العقاب لمحاربة هذه الظاهرة، واعتقلت نحو مائة وخمسين شخصاً وحاكمتهم بتهمة تعاطي هذه الأدوية.

ويرى الممرض والناشط مجد الرجب أن سجنهم ومحاكمتهم ليسا حلاً جيداً، بل يجب تأسيس مركز صحي يقدم خدمات علاجية ونفسية للمدمنين. ويقول لـ "العربي الجديد": "شكّلنا فريقاً تطوعياً يحمل اسم فريق مكافحة الإدمان التطوعي، ونخطّط لاطلاق حملة بهدف التوعية حول مخاطر الإدمان وسبل التخلص منه، وذلك من خلال توزيع منشورات وملصقات في الشوارع، إضافة إلى محاضرات في المدارس والتجمعات السكانية". يضيف: "ترتفع نسبة الإدمان نتيجة البطالة والحرب التي شنها النظام".

دلالات