العراق يستنفر لمواجهة الزلازل بتصاميم معمارية جديدة

العراق يستنفر لمواجهة الزلازل بتصاميم معمارية جديدة

27 ديسمبر 2017
في السليمانية بعد الزلزال الأخير (يونس كلش/ الأناضول)
+ الخط -

من المتوقّع أن يُعلن، خلال هذَين اليومَين، عن تأليف لجنة هندسية عراقية متخصصة، من شأنها إعادة النظر في الهندسة المعمارية، وذلك بهدف وضع تصاميم أخرى تجعل المباني قادرة على الصمود في وجه الزلازل.

أكثر من 40 هزّة أرضية سُجّلت في المدن العراقية المختلفة خلال عام 2017، من بينها ستّ هزّات تجاوزت قوّتها سبع درجات على مقياس ريختر. وآخر تلك الهزّات وقعت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وقد ضربت مناطق شمال العراق وجنوبه ووسطه، فضلاً عن العاصمة بغداد، وخلّفت ثمانية قتلى وأكثر من 500 جريح، فيما تضرّر ودُمّر أكثر من 900 مبنى سكني وتجاري. على خلفيّة ذلك، كشف مسؤولون في الحكومة العراقية عن تأليف لجنة هندسية من وزارات التخطيط والإعمار والإسكان ودوائر وجامعات حكومية مختلفة، بهدف وضع دراسة متكاملة حول تغيير التصاميم المعمارية في العراق، بما يتلاءم مع خطة مواجهة الهزّات. وخُوّلت اللجنة السفر إلى دول تشهد حركة زلازل دائمة، للتعرّف على أحدث ما توصّلت إليه في هذا المجال.

والبناء الأفقي يغلب عموماً على الصورة المعمارية في العراق، في ما يتعلق بالمباني السكنية، غير أنّ السنوات الماضية شهدت بناء مجمّعات سكنية عالية تتألف من طبقات عدّة، عبر استخدام الطابوق المحلي والإسمنت والحديد المسلّح. وهو الأمر الذي أدّى إلى سقوط ضحايا كثيرين بين قتيل وجريح في الزلزال الأخير، بسبب سقوط كتل إسمنتية عليهم خلال وجودهم في المباني. إلى ذلك، فإنّ التصميم الكلاسيكي العراقي المعتاد لا يحوي أيّ مخارج للنجاة أو فتحات تسمح بالهروب منها بالسرعة المطلوبة عند بدء حركة الزلزال.


يفيد مسؤول في الدائرة الهندسية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي، فضّل عدم الكشف عن هويّته، لـ"العربي الجديد"، بأن "الهدف هو التخلّي عن التصميم السابق الذي اعتمد على فرضية أنّ الأرض العراقية مستقرة ولا تشهد تحرّكاً بفعل الزلازل، بالتالي كان يُصار إلى بناء قاعدة إسمنتية ثمّ رفع جدران فوقها من دون فواصل قبل وضع السقف الإسمنتي، وهذه طريقة غير مناسبة للدول التي تحدث فيها زلازل، والتي تفضّل طريقة البناء المنفصل من خلال قطع بناء منفصلة عن بعضها البعض. ويشير إلى أنّ "الهدف من ذلك هو توزيع التصاميم الجديدة على الشركات والمواطنين لاعتمادها بهدف التقليل من أضرار الزلازل".

من جهتها، أعلنت أمانة العاصمة بغداد عن مشروع جديد مماثل، مطالبة الحكومة بسنّ قانون خاص يجيز تعديل تصاميم المباني لمواجهة الكوارث الطبيعية والحفاظ على حياة المواطنين. وقالت أمينة العاصمة ذكرى علوش "ندعو إلى سنّ قوانين تجيز تعديل تصاميم المباني الحكومية والعامة". جاء ذلك خلال ندوة أعدّت في جامعة بغداد للبحث في ظاهرة الزلازل في العراق. وقد جرى، خلال الندوة، تناول الأضرار التي نجمت عن الزلازل، وسبل التعامل مع تلك المقبلة في حال وقوعها.

وفي الندوة المشار إليها، عرض عدد من الخبراء في المجال خرائط تضمّنت صوراً ملتقطة بواسطة الأقمار الصناعية لكشف حركة القشرة الأرضية، بهدف التوصّل إلى طرق جديدة للحفاظ على حياة السكان، عبر وضع تصاميم جديدة للمباني السكنية والمستشفيات والمباني العامة. وفي ختام الندوة، رفع المجتمعون توصيات إلى مجلس الوزراء العراقي، منها إنشاء مركز متخصص في الكوارث الطبيعية.

هجرت منزلها خلال الزلزال الأخير (الأناضول) 


في السياق، يقول المهندس المعماري عبد الصبور العبيدي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "سلسلة من الزلازل ضربت البلاد أخيراً، أعنفها كان في مدينة حلبجة (إقليم كردستان العراق)، منتصف شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بقوّة 7.2 درجات على مقياس ريختر، وقد استمرّت ما بين 20 و30 ثانية تقريباً، وتسببّت في أضرار مادية ووفاة عدد من الأشخاص وإصابة مئات آخرين بجروح". يضيف العبيدي أنّ "الأمر يعني ضرورة إعادة النظر في تصاميم المباني السكنية والعامة، ووضع أخرى حديثة، تلافياً للخسائر التي قد تقع خلال الكوارث الطبيعية، خصوصاً الزلازل التي أصبحت تضرب البلاد بطريقة غريبة ومتواصلة وغير مسبوقة في السنوات الأخيرة".

ويؤيّد متخصصون في الكوارث الطبيعية إعادة النظر في التصاميم القديمة للأبنية في العراق، بهدف وضع لمسات جديدة تمكّنها من الصمود خلال وقوع الهزات الأرضية خصوصاً. ويقول المتخصص في الكوارث الطبيعية، راجي المرسومي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "أخطر الكوارث الطبيعية على المباني هي الزلازل. ومن المعروف أنّ المباني العراقية في معظمها، سواء أكانت سكنية أو عامة، قديمة وأغلبها من ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وقد صُمّمت بطريقة تختلف عن التصاميم الحديثة الموضوعة وفقاً لرؤيتنا الخاصة بمواجهة الكوارث الطبيعية". ويلفت المرسومي إلى أنّ "الزلزال الذي ضرب البلاد ومركزه على مقربة من مدينة حلبجة، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كان من الممكن أن يسبّب كارثة حقيقية في البلاد لو استمرّ لعشرين ثانية إضافية. يُذكر أنّ مدّة الزلزال الزمنية كانت قصيرة ولم تتجاوز 20 - 30 ثانية تقريباً، لكنّها كانت بقوّة 7.2 درجات على مقياس ريختر، وهو الأمر الذي يستدعي من الحكومة سنّ قوانين جديدة تسمح بتعديل تصاميم المباني".

تجدر الإشارة إلى أنّ الحكومة العراقية ووجهت بعد الزلزال بانتقادات واسعة من قبل الأوساط الشعبية، لعدم قدرتها على التعامل مع كارثة الزلزال، في حين خرج عراقيون إلى الشوارع لحظة وقوع الزلزال خشية سقوط مساكنهم عليهم، خصوصاً هؤلاء الذين يقطنون في المباني والمساكن القديمة والمتهالكة.