تخفيضات ترامب الضريبية تزيد ثروات الأغنياء

تخفيضات ترامب الضريبية تزيد ثروات الأغنياء

19 ديسمبر 2017
احتجاج على التخفيضات أمام برج ترامب في نيويورك (Getty)
+ الخط -

من المتوقّع إقرار قانون التخفيضات الضريبية الأميركية، خلال هذا الأسبوع، في حين أظهرت استطلاعات للرأي شملت الناخبين أنّهم بمعظمهم يعارضون خطة ترامب تلك ويرونها وسيلة لزيادة ثروات الأغنياء على حساب الخزينة الأميركية.

دقّت هزيمة مرشّح الحزب الجمهوري، روي مور، في انتخابات مجلس الشيوخ الأميركي الأخيرة في ولاية ألاباما ناقوس الخطر لدى عدد كبير من الجمهوريين، إذ إنّ تلك الانتخابات كانت استفتاء مباشر على أجندة الرئيس الجمهوري، دونالد ترامب، بشقَّيها الاجتماعي والاقتصادي، وإن كانت الاتهامات بـالتحرّش الجنسي العنوان المركزي الذي تصدّر السجال الانتخابي.

ويرى هؤلاء الجمهوريون، ومنهم أعضاء في الكونغرس الحالي يعتزمون الترشّح مجدداً لانتخابات 2018، في فوز المرشّح الديمقراطي، دووغ جونز، المؤيّد للإجهاض في قلعة الجمهوريين المحافظين في ولاية الجنوب الأميركي، مؤشراً إلى تحوّلات في اتجاهات الرأي في القواعد الشعبية الجمهورية. فقد انتقلت أصوات شرائح واسعة من الناخبين الجمهوريين في ألاباما، خصوصاً الفئات الشبابية والطالبية والعائلات العاملة، إلى المقلب الآخر واقترعت لصالح مرشّح الحزب الديمقراطي.

من هؤلاء الجمهوريين السيناتور عن ولاية فلوريدا، ماركو روبيو، الذي اختار أن يكون صوت "لا" التي تعرقل مرور خطة ترامب للتخفيضات الضريبية في الكونغرس على غرار "لا" الشهيرة للسيناتور الجمهوري، جون ماكين، التي سبق وأطاحت بخطة الرئيس لإلغاء واستبدال خطة "أوباما كير" للإصلاح الصحي التي أُقرّت خلال إدارة الرئيس السابق باراك أوباما. الأرجح أنّ روبيو، وهو من أصول كوبية، شعر بالتمييز الطبقي بين الفئات الاجتماعية الأميركية وحجم استفادة كلّ فئة من أموال الخزينة الأميركية التي يضيف إلى حجم عجزها العام أكثر من تريليون دولار أميركي في السنوات العشر المقبلة، والذي سوف يذهب الجزء الأكبر منها إلى خزائن عدد من كبار الأثرياء الأميركيين وأصحاب الشركات الكبرى ولن تستفيد الفئات الاجتماعية المتوسطة والفقيرة إلا من الفتات. وبما أنّ العجز الذي سوف تتسبب به التخفيضات الضريبية سوف يُدفَع من جيوب كلّ الأميركيين، فإنّ روبيو اشترط للموافقة مضاعفة الإعفاءات الضريبية لصالح العائلات العاملة والفقيرة. وبدلاً من مبلغ 1100 دولار عن كلّ ولد، طالب روبيو، أن يتجاوز المبلغ ألفَي دولار. في نهاية المطاف، حقّق روبيو مراده وخرج بطلاً بالنسبة إلى جميع العائلات الأميركية عبر إقرار تخفيضات إضافية بما يقارب 500 دولار إضافية عن كلّ ولد.

والأرجح أنّ هزيمة الجمهوريين في انتخابات الكونغرس الفرعية في ألاباما أعادت خلط الأوراق وجعلت كثيرين يراجعون حساباتهم ويحسّنون صورتهم أمام الناخبين الأميركيين الذين أظهرت استطلاعات الرأي أنّ ثلثَيهم يعارضون خطة ترامب للتخفيضات الضريبية ويرونها وسيلة لزيادة ثروات الأغنياء على حساب الخزينة الأميركية.


ولعلّ شريط الفيديو المسجّل الذي انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي لعضو مجلس الشيوخ الأميركي عن الحزب الديمقراطي، جون تيستير، يختصر الصورة التي وصلت إلى الرأي العام الأميركي عن أعضاء الكونغرس من الجمهوريين الذين سارعوا قبل أسبوعَين الى التصديق على الخطة الضريبية الجديدة بعد ساعتَين من تسلّمها من دون قراءة ما تضمّنته صفحاتها البالغ عددها 500 صفحة. وتعطي الصفحات المكتوبة بخط اليد والتي استعرضها السيناتور الديمقراطي في شريطه المسجّل، صورة مشينة عن أعضاء الكونغرس الأميركي الذين صادقوا على تشريعات وقوانين وُصِفت بالتاريخية من دون أن يكلّفوا أنفسهم عناء قراءتها.

وفي حين اتّهم زعيم الأقلية الديمقراطية تشاك شومر الغالبية الجمهورية بتمرير القانون "تحت جنح الظلام" لزيادة أرباح الأثرياء وأصحاب الشركات، خرق السيناتور الجمهوري جون كوركر الإجماع الحزبي حينها وصوّت ضدّ القانون. لكن ثمّة حديث عن احتمال إصلاح ذات البين مع ترامب وإمكانية تعيينه في منصب وزير الخارجية بدلاً من ريك تيليرسون. ويطرح زعيم الأقلية الديمقراطية تساؤلات عن الآلية التي اعتمدتها الغالبية الجمهورية في التصويت على القانون ويقول إنّ "أحداً لا يمكنه الافتخار بذلك، بل عليه أن يشعر بالعار".

وخلال الأسبوع المنصرم، أجريت بعض التعديلات على القانون إرضاءً لعدد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الذين كانت لديهم ملاحظات ولوّحوا بالتصويت ضدّه إذا لم تُلبَّ مطالبهم. ومع خسارة صوت جمهوري في مجلس الشيوخ، صارت مهمّة الرئيس أصعب خصوصاً وأنّ عيد الميلاد اقترب وهو كان قد وعد أن تكون التخفيضات الضريبية بمثابة هدية للأميركيين بمناسبة الأعياد.

بحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، فإنّ التخفيضات الضريبية الجديدة هي الأكبر في الولايات المتحدة الأميركية منذ عقود، وتوقّعت أن تكون لها تداعيات على كلّ زاوية من دورة الاقتصاد الأميركي وأن تطاول كل الشرائح الاجتماعية من العائلات العاملة إلى الطبقات الثرية التي تُعَدّ أكبر المستفيدين من القانون الجديد. وعلى الرغم من نفي ترامب وإدارته مراراً، فإنّ تقديرات المتخصصين تتوقّع أن تزيد ثروة آل ترامب نحو مليار دولار بسبب الإعفاءات الضريبية الكبيرة التي يمنحها القانون الجديد لأصحاب الشركات. وبحسب وجهة نظر الحزب الديمقراطي واليسار الأميركي، فإنّ خطة ترامب الضريبية تهدف إلى زيادة ثروات الأغنياء في الولايات المتحدة الأميركية على حساب الطبقات المتوسطة والفقيرة. يأتي ذلك في حين يتوقّع المدافعون عن الخطة أن تؤدّي التخفيضات الضريبية إلى عودة رؤوس الأموال إلى البلاد وتأمين ملايين الوظائف الجديدة وانتعاش الدورة الاقتصادية، الأمر الذي يجعل الحكومة الأميركية قادرة في المستقبل على الحدّ من عجز الميزانية.