فرنسا شحيحة على المهاجرين

فرنسا شحيحة على المهاجرين

18 ديسمبر 2017
آتون جدد (جوزيف عيد/ فرانس برس)
+ الخط -

"آنَ لنا أن نرتاح" هكذا يستقبلنا جواد، العراقي الهارب من الفلوجة قبل سنوات، والذي حصل قبل تسعة أشهر على حق اللجوء في فرنسا، ويتابع: "الآن، أستطيع أن أشتغل مثل كلّ الناس". فعلاً، هو يعمل في مطعم تركي، واستطاع أخيراً أن يحصل على سكن اجتماعي، في ضاحية باريس البعيدة، كما يتلقى مساعدات عديدة من بينها المساعدة في السكن، وينتظر أن تلتحق به عائلته. حالة جواد هي حالة كلّ من حصل على لجوء، فأصبح بإمكانه أن ينظر إلى المستقبل بثقة وسكينة أكبر، لكنّها ليست حالة كثيرين ما زالوا ينتظرون الحسم في طلبات لجوئهم، فإما القبول وإمّا المطالبة بالمغادرة، وحينها الترحيل أو البقاء سراً.

يندرج المهاجرون من طالبي اللجوء، بحسب قانون 29 يوليو/ تموز 2015، في خانتين اثنتين، فمنهم من يحصل على "المنحة الشهرية للإعاشة" (آي. إم. سي) إذا كانوا يقيمون في مركز استقبال لطالبي اللجوء (سي. آي. دي. أي)، ومنهم من يتلقى "منحة الانتظار المؤقتة" (آي. تي. آي)، إذا لم يكونوا يستفيدون من سكن طارئ. وفي 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 جرى التخلي عن الخانتين واستبدالهما بمساعدة واحدة، وهي "منحة طالب اللجوء".

القانون الفرنسي واضح، وهو أنّ طالب اللجوء ليس مسموحاً له بالعمل، قبل مدة تسعة أشهر من تسجيله. وإذا كان بالغاً فإنّه يتلقى "منحة طالب اللجوء". هذه المساعدة يجري صرفها في نهاية كلّ شهر، وهي كالتالي: 6.80 يورو يومياً لكلّ فرد وحيد، يستفيد من السكن، و11.20 يورو إذا لم يكن يستفيد من السكن، ويرتفع المبلغ إلى 20.8 يورو يومياً لعائلة تتكون من خمسة أفراد. إذاً فالمساعدة تصل شهريا إلى 204 يورو إذا كان الشخص وحيداً ويحظى بسكن، بينما تتلقى عائلة من خمسة أفراد مبلغ 624 يورو.

هذه المبالغ والمساعدات يجري صرفها طوال فترة دراسة الملفات، وهي فترة طويلة في فرنسا، ما فتئت المنظمات الإنسانية والحقوقية الفرنسية والدولية تطالب بالتعجيل فيها. وخلافاً لما يشاع، خصوصاً في وسائل الإعلام اليمينية والعنصرية، فإنّ المهاجرين ليس لهم الحق في مساعدات أخرى من الدولة، خلافا للمشردين (الذين لا سكن لهم) من فرنسيين وممن هم في وضعية قانونية، الذين لهم الحق في كثير من المساعدات.

محمد، طالب لجوء سوداني، يقول إنّه ممنوع من العمل طوال سنة كاملة. وبعد سنة انتظار يمكنه أن يتقدم بطلب الحصول على الترخيص بالعمل شريطة حصوله على وثيقة إيداع لطلب اللجوء. لا يخفي محمد، الذي يحصل شهرياً على 336 يورو، أنّ هذا المبلغ غير كافٍ وأنّه ينتظر نهاية كلّ شهر بكثير من اللهفة. وقد رفض طلب السكن من الإدارة خشية أن يرسل إلى بلدة فرنسية بعيدة، كما هو شأن كثيرين، ولهذا اضطر إلى تقاسم السكن مع سودانيين يقيمون في باريس، منذ عقود. يعترف: "تخيل، أنا أدفع مائة يورو إيجاراً شهرياً، وأدفع ثمن السجائر أكثر من 200 يورو، فماذا يبقى لي؟". يشير إلى أنّه وفي انتظار حصوله على بطاقة اللجوء، يضطر للعمل حين يتمكن من ذلك بصفة غير قانونية "أغلب الظن أنّي سأحصل على اللجوء، لكنّي لا أجد ما آكله، ولهذا فأنا أرتاد مقرات جمعيات خيرية، كالإغاثة المسيحية والإسلامية والشعبية، ولدى جمعيات تقدم الوجبات".

وإذا كانت حالة محمد صعبة، فإن حالة سمير، السوري، الذي يعيش مع زوجته، وثلاثة من أبنائه، ويتلقون جميعا 624 يورو، بالغة الصعوبة. يقول لنا: "هذا المبلغ، الذي لا يكفي لشخص واحد، في فرنسا، يتقاسمه خمسة أشخاص، وقريباً سيصل السادس". يعدّد سمير الصعوبات، ومنها أنّ "احتياجات الأطفال تختلف، وهم أكثر إلحاحاً". ولا يخفي لجوءه المتكرر إلى جمعيات خيرية وإنسانية، للحصول على الطعام والملابس، خصوصاً ملابس الأطفال "ما نحصل عليه، ينتهي في أقل من أسبوعين. ثم تبدأ المعاناة".

ليست كلّ الأمور سوداوية، فالتغطية الصحية الشاملة متوفرة لطالبي اللجوء، بمجرد حصولهم على شهادة طلب اللجوء وشهادة سكن تتضمن عنواناً "هذا ما يسّر عليّ علاج أبنائي وزيارة زوجتي أثناء الحمل"، يقول سمير. لكنّ سمير، الذي عمل طوال حياته، والذي لا يرضى بمدّ يده وانتظار المساعدات، يجزم أنّه لا يملك من أمل بعد الله، كما يقول، إلاّ في الدخول إلى سوق العمل "لديّ خبرة في المعلوماتية، وأستطيع أن أؤمن الخبز لعائلتي بسهولة".

لا بدّ من التأكيد أن المهاجرين وطالبي اللجوء لا يستفيدون من المساعدات العائلية ولا مساعدات السكن لأنّ من شروط الاستفادة الحصول على بطاقة إقامة قانونية صالحة. وحين يقبل "المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية" طلب لجوء أحد الأفراد يتسنى له أن يستفيد من نفس الحقوق الاجتماعية (دخل التضامن الفعّال، والإعانات الاجتماعية، والتغطية الصحية الشاملة والمعونة الشخصية في السكن، وغيرها). وهنا يجب التمييز بين لاجئين، منحت لهم بطاقة عشر سنوات، ويحق لهم التقدم للحصول على "دخل التضامن الفعّال" ومن منحت له بطاقة سنة قابلة للتجديد، فعليه انتظار مرور خمس سنوات قبل المطالبة بهذا الحق الاجتماعي.

ولا ينبغي بأيّ حال تصديق الإشاعة التي تتحدث عن الأولوية التي يمكن أن تعطى للاجئ من أجل الحصول على سكن اجتماعي، لسبب بسيط، وهو أنّه لا يمكن التقدم بطلب السكن قبل الحصول على بطاقة إقامة قانونية. وهناك إشاعة أخرى تتعلق بحصول المهاجرين واللاجئين على مساعدات في وسائل النقل العمومية، خصوصاً القطارات. والصحيح أنّ بعض رؤساء البلديات يسمحون أحياناً للمهاجرين باستخدام وسائل النقل العمومي المحلي، فقط، بصفة مجانيّة، أو بفتح المطاعم المدرسية، أمام أبناء هؤلاء المهاجرين.

ومن الإشاعات أيضاً حصول المهاجرين على بطاقات مصرفية. وإذا كان الخبر صحيحاً في جزء منه فإنّ كثيراً من المغالطات تحوم حوله، فالبطاقة، لم تُوزَّع على كلّ طالبي اللجوء، بل فقط على من ليست لديهم إمكانية فتح حساب مصرفي. وظيفة البطاقة تكمن في سحب المنحة التي تقدم لطالب اللجوء فقط، ولا يمكن استخدامها في غرض آخر، ولا يتجاوز عدد السحب، ثلاث مرات في الشهر للمبلغ المحدد.

كثير من معاناة هؤلاء المهاجرين يأتي من بطء الإدارة الفرنسية، وهو بطء اعترف به الرئيس إيمانويل ماكرون نفسه ووعد بإيجاد حلول له. ولو كان الحسم بنفس الوتيرة التي تشهدها دول أوروبية أخرى لتمكن المهاجرون من تفادي المعاناة التي يعيشونها واندمجوا أسرع، ودخلوا سوق العمل خصوصاً أنّ الفرنسيين يقولون في أمثالهم إنّ "العمل هو الكرامة".

المساهمون