الدنمارك: الآلاف يطلبون المساعدة للاحتفال بأعياد الميلاد

الدنمارك: الآلاف يطلبون المساعدة للاحتفال بأعياد الميلاد ومن بينهم مسلمون

17 ديسمبر 2017
جدل المساعدات يتجدد كل سنة (ناصر السهلي/العربي الجديد)
+ الخط -

عادت قضية مساعدة الاحتفال بعيد الميلاد  "يول هيلبين" بالدنمارك، لتطرح مجدداً جدلا حول "أحقية حصول المسلمين على مساعدة الميلاد كعيد مسيحي"، وانتقد حزب الشعب اليميني سياسة منح المسلمين هذه المساعدة، فيما اعتبرت منظمات خيرية الأمر عاديّاً من منطلق عدم التفريق بين محتاج وآخر.

وحمل ديسمبر/كانون الأول الحالي أرقاماً صادمةً للمتقدّمين بطلب مساعدة هذه السنة في الدنمارك. وفي حين ظنّ الدنماركيون أن العام الماضي شهد النسبة الأعلى على الإطلاق في تاريخ طلب المساعدة، إذ تقدم 15500 مواطن ممن يعيشون "وحيدين مع أطفال" لجهات كنسية وخيرية، بطلب الحصول على ما يسمى "يول هيلبين" جاء هذا العام برقم 46400 طلب، ما يشير إلى اتساع رقعة الفقر في البلد، بعد تحديد سقف المساعدات الاجتماعية الشهرية وتخفيضها"، بحسب ما يذكر الصليب الأحمر الدنماركي.

وعادة ما يتقدم لطلب مساعدة الاحتفال بعيد الميلاد أكثر الدنماركيين احتياجاً وضعفاً، وخصوصا هؤلاء الذين يودّون أن تكون هناك شجرة عيد الميلاد في بيوتهم مع هدايا للصغار ووجبة عشاء الميلاد. لكن السنوات الأخيرة وبحسب أرقام رسمية تصدر عن مركز الإحصاء الوطني، استنادا إلى المنظمات التي تقدم هذا النوع من المساعدات، لم تعد تقتصر على الدنماركيين المسيحيين، بل بات يتقدم الكثير من المسلمين المقيمين في البلد بطلب هذه المساعدة.

وعلى الرغم من الجدل الذي أثاره "تقدم مسلمات محجبات للحصول على مساعدة عيد الميلاد"، فإن هذه المنظمات، ومن بينها خيرية كنسية، لا تفرق بين محتاج وآخر.

وتبين أرقام هذا العام أنّ "هناك ما يقرب من 5600 أسرة من المتقدمين تأثرت بقانون تقليص المساعدة الاجتماعية الشهرية، ووضع سقف لها من البلديات، فيما تأثر 4000 شخص سلبا بالإصلاحات التي طرأت على قانون المساعدة الاجتماعية خلال عامين  بتقليصها حال عدم استيفاء الشخص لـ225 ساعة عمل"، بحسب ما يشير الأمين العام للمنظمة الخيرية "العون الشعبي الدنماركي"، كلاوس نورلِم.

والمثير للانتباه أيضا أن "هذا العام تقدم طلاب جامعيون يعيشون من المنحة الشهرية، بطلب المساعدة للاحتفال بعيد الميلاد" وفقا لنورلِم.



من جهته يقول مدير منظمة "جيش المخلص"، (خيرية كنسية)، لارس ليدهولم، "نقوم بتوزيع 11908 مساعدات هذا العام، وهذا رقم كبير جدا يمكن أن يتزايد خلال ما تبقى من أيام لأعياد الميلاد"، وفقا لما جاء في بيان صحافي.

وأثيرت من جديد قضية مساعدة الميلاد لتطرح موقف حزب الشعب اليميني، الذي انتقد بعنف مجلس الكنائس والمنظمات الخيرية لسياسة منح المسلمين مساعدة. ورفضت منظمة "جيش المخلص هذه الانتقادات. وتقول مسؤولة كرسي الأبرشية في المنظمة، ومديرة منظمة عون كنسي تسمى "جيش الكنيسة" ، إلنا يورنسون: "نحن نسأل أنفسنا: ماذا كان سيفعل يسوع؟ فلا فرق لدينا إذا بين إنسان وآخر".

أرقام صادمة عن طلبات المساعدة (ناصر السهلي/ العربي الجديد)


ويبدو أن اليمين الدنماركي في أقصى جنوب البلد وجد ضالته هذه المرة في مدينة "فاين" حيث كُشف النقاب عن أن 3 من بين 19 طلبا "يحملون اسما دنماركيا"، بحسب ما تذكر كريستلي دوابلاديت. ويرى هذا الحزب أن "الذين يتلقون المساعدة من المهاجرين لا يحتفلون أصلا بعيد ميلاد يسوع ويجب أن تذهب المساعدة لهؤلاء الذين يقيمون عيد الميلاد في بيوتهم"، وفقا لـ ، كريستيان لانغ بالا، المتحدث باسم حزب الشعب، والذي يعمل أيضا قسّاً في الجنوب.

ويرى لانغ بالا أن مجلس الرعية في فاين "يقرأ تعاليم يسوع قراءة غير صحيحة". وأثار طلب المسلمين مساعدة عيد الميلاد في فاين سخطا كبيرا على وسائل التواصل الاجتماعي، شارك فيه شبان وشابات مسلمون استهجنوا مثل بقية المعلقين الدنماركيين "ذهاب البعض لتلقي مساعدة لشيء بالأصل لا نحتفل به، أشعر بخجل من تصرفهم هكذا، فنحن لدينا رمضان والعيدان"، حسبما أشارت أمينة في انتقاد لاذع للظاهرة.

جدل "مساعدة الميلاد" هذه السنة لم يختلف كثيرا عن السنوات السابقة. ولا يخلو الأمر من محاولات إثارة إعلامية، تعرضها صحف شعبوية، ففي عنوان رئيسي تذهب "إكسترا بلاديت" إلى القول إن "90 في المائة من طالبي مساعدة عيد الميلاد هم مسلمون"، فيما يتبين أن الأمر متعلق بقرية صغيرة وليس في عموم البلد.

ومن ناحيته، يؤكد لارس لويدهولم من "جيش المخلص" بأن "نسبة المسلمين المتقدمين بطلب المساعدة ثابتة لدينا على مدى السنوات الماضية بحوالى 2.5 في المائة، وبذات الوقت لا نفرق بين معتقد وآخر، لا بل حتى الملحدون واللادينيون يمكنهم طلب المساعدة لدينا". ويعترف لويدهولم بأن حصول مسلمين على المساعدة "يعكس نفسه كثيرا في صفحاتنا على وسائل التواصل، بتهديد المانحين وغضبهم وتحذيرهم بوقف مساعدتهم لنا إن ظل المسلمون يتلقون هذه المساعدة".

طالبو مساعدة عيد الميلاد هم مسلمون أيضاً (ناصر السهلي/العربي الجديد)

هذا الجدل الذي تتسبب فيه كل سنة مشاهد نسوة محجبات يقفن جنبا إلى جنب مع الدنماركيين في مقرات الجمعيات الكنسية لتلقي المساعدة، لم يبق في معسكر الدنماركيين فحسب، فمثل كل عام بدأ الشباب الدنماركي المسلم أيضا ينتقد الظاهرة بشدة على وسائل التواصل الاجتماعي الدنماركية. أمر لفت وسائل الإعلام الدنماركية التي ذهبت إلى منح حيز من التغطية لعرض وجهات نظر المعارضين، لتلقي مسلمين مساعدة عيد الميلاد.

وتسبب التسليط السلبي للسياسيين ووسائل الإعلام على ما يسمونه "مزاحمة مسلمين على مساعدات عيد الميلاد، رغم أنهم لا يقيمونه في بيوتهم ولأطفالهم" بتوجه شباب من أصل مسلم إلى إطلاق مبادرات معاكسة "مساهمة مسلمين لمساعدة المحتاجين في الميلاد". 

الاحتفال يتنافى مع تعاليم الإسلام (ناصر السهلي/العربي الجديد)



وقد أثار سخط البعض من "المساهمة بتقديم مساعدة لاحتفال يتنافى مع تعاليم الإسلام وارتكاب معاصٍ"، بحسب ما يذهب البعض لوصف مساعدة مسلمين لدنماركيين محتاجين، غضبا مقابلا عند المعلقين الدنماركيين، ومن بينهم أيضا مسلمون، باعتباره "نفاقا وازدواجية معايير، فمن ناحية يسجل البعض للحصول على مساعدة كنسية دنماركية باسم المسيح كمسلم، وفي الأخرى تثور ثائرة بعض المسلمين إن قام مسلم بمساعدة محتاجين دنماركيين"، كما يعقب بهتاش من حملة المساعدة.

نقاش وسخط بسبب مساعدات الميلاد (ناصر السهلي)



وعقبت الشابة الدنماركية، ماريا.ن. بالقول "لدي أصدقاء مسلمون يساعدون كبار السن في الشارع، ويقومون بأشياء رائعة، لا أفهم لماذا يجب معاقبتهم إن أرادوا مساعدة فقير في أعياد الميلاد؟".

هذا الجدل بين المعسكرين لم يثنِ الدنماركي من أصل تركي، يعقوب تانيس، عن تخصيص 50 ألف كرون (حوالى 8 آلاف دولار) كمساعدة للمحتاجين في الميلاد. ويقول يعقوب "لست أفضل من الآخرين، لكنني تلقيت من هذا المجتمع الدنماركي ما يكفي من المساعدة طيلة حياتي، والآن لدي الفرصة لمساعدة الناس فلِمَ لا؟".

مبادرات لتقديم مساعدات للمحتاجين (ناصر السهلي/العربي الجديد)  


وهذه هي المرة الخامسة التي يجمع فيها يعقوب مساعدات ليقدمها للمحتاجين، بعد أن ثار جدل كبير عن تقدم المسلمين للحصول على المساعدة، ويقول "أصلا بالنسبة لي فعيد الميلاد في هذا المجتمع هو احتفال مشترك لنا جميعا كمواطنين".

احتفال مشترك بين المواطنين بهذه المناسبة (ناصر السهلي/العربي الجديد)