الحب في سورية على هيئة قارورة غاز

الحب في سورية على هيئة قارورة غاز

14 ديسمبر 2017
"الغزل ما زال مجانياً" (أنور عمرو/ فرانس برس)
+ الخط -
قلبت الحرب في سورية مفاهيم وعادات اجتماعية كثيرة، من بينها العلاقات العاطفية وطرق التعبير عن الحب والاهتمام. فهذه تأتي بصورة أخرى تتطابق مع الحياة اليومية التي يعيشها السوريون بمعظمهم اليوم، وتتناسب مع احتياجاتهم. وعلى الرغم من أنّ ذلك لا يشمل العطور ولا باقات الورد، فإنّها ما زالت تحمل كمّاً أكبر من الحب ومقداراً أكبر من النضج في فهم العلاقات الإنسانية.

قبل سنوات، كانت سارة (22 عاماً، من حلب) تحلم بعلب الشوكولاتة المغلفة بأناقة وبباقات الزهور الملوّنة من يد حسام - زميلها في الجامعة - الذي تعيش معه قصة حب منذ أربعة أعوام، لكنّ الأمور اختلفت اليوم. وتخبر أنّه "في بداية تعارفنا، كانت قمّة فرحتي حين يرسل إليّ باقة زهور مفاجئة أو قارورة عطر أو أيّاً من الهدايا التقليدية التي تحلم الفتيات بتلقيها. أمّا اليوم وبعد أربع سنوات، عليّ الاعتراف بأنّ أفضل هدية تلقيتها منه هي قارورة غاز. لا يمكنني أن أنسى الفرحة التي غمرتني".

وتستذكر سارة ذلك اليوم، قائلة: "أعيش في منزل للطالبات وينفد غاز الطبخ لدينا بسرعة قياسية. ولأنّ الحصول على قارورة جديدة بات يتطلب تفرغاً لملاحقة سيارات تبديل الغاز والتوسّل إلى المختار، فإنّنا قرّرنا العيش على السندويشات. كان ذلك خلال الامتحانات، فاتصل بي حسام فجأة وطلب منّي النزول لاستلام قارورة جديدة من أمام المنزل. حين رأيتها كدت أقفز من الفرح وبدأت أرى في مخيلتي أصناف الطعام المختلفة". تضيف: "أذكر جيداً ملامح وجهه يومها. كان معتزاً جداً بها وكأنّه اشترى لي قصراً. ولولا العيب، لكان لفّها بشريط أحمر. واكتفى بالقول: خذيها، أريدك أن تتغذي جيداً خلال الامتحانات". تتابع سارة: "حملتها يومها إلى الطابق الثاني ولم أشعر بثقلها من فرط السعادة. فتحت الباب وناديت صديقاتي. إحداهنّ هللت احتفالاً بوصول الغاز إلى بيتنا، فيما عادت أخرى إلى غرفتها وقد شعرت بالغيرة".

وقارورة الغاز ليست السلعة الغريبة الوحيدة التي يعبّر بواسطتها حسام عن حبّه لسارة. بعدما غاب تبادل الزهور والعطور والشوكولاتة بينهما، كان تبادل للخبز والماء وتوصيل الكهرباء. يقول حسام مبتسماً: "حسناً، علينا الاعتراف بأنّ للحب ضريبة كبيرة هذه الأيام. عليك أن تتحوّل إلى عتّال أو مصلح في بعض الأحيان. أحاول أن أقوم بما يسعدها أكثر، وفي هذه الأيام لا شيء أفضل من تأمين المياه خلال فترات الانقطاع أو بضعة لترات من المازوت خلال الشتاء. وكما أسعى إلى تأمين ذلك إلى أهلي، كذلك أوفّرها لسارة". يضيف أنّه "في كثير من الأحيان، أقف لساعات طويلة أمام باب الفرن لأحصل على ربطات خبز لأمي ولها. في المقابل، قامت هي مثلاً بطباعة نصّ بحثيّ لي على الحاسوب، نظراً إلى توفّر التيار الكهربائي في سكنها لساعات أطول".



من جهتهما، يقرّ باسل (29 عاماً، من دمشق) ونجوى (25 عاماً) بأنّهما يختبران نوعاً من العلاقات العاطفية أثناء الخطوبة لم يتوقعانه في السابق. يقول باسل: "لحسن الحظ أنّ متطلبات أهل العروس تغيّرت كذلك. لو أنّهم طلبوا ذهباً وهدايا وفقاً لتقاليد عائلتَينا، ما كنّا لنرتبط أبداً. صحيح أنّني أعمل وراتبي لا بأس به، لكنّه لم يعد يساوي الكثير وسط هذا الغلاء. مثلا لا قدرة لدينا على ارتياد المطاعم، لكنّني لا أحرمها من الشاورما ولا من الفلافل! نخرج كثيراً ونشتري سندويشات ونمشي في الأحياء ونجلس على حافات الطرقات. في الواقع، هذا طقسنا المفضل".
يضيف: "أظنّ أنّ تغيّر الظروف المعيشية خلّف ضغطاً أكبر على الشاب. قبل أن ألتقي بفتاة قنوعة مثل نجوى، كنت أستبعد فكرة الارتباط في الوقت القريب بسبب عدم قدرتي على سداد التزامات الخطوبة والزواج. في مجتمعنا، الشاب مطالب بالتعبير عن حبّه من خلال ما يقدّمه من هدايا وذهب ومال. لكنّ شكل العلاقة بين المحبين تغيّر كثيراً في هذه الظروف". ويشير إلى أنّه "في حين نعيش ظروفاً صعبة وضغوطاً كبيرة، فإنّ حاجتنا إلى الحب تتزايد ونتمسك به أكثر من أيّ شيء آخر ونفقد اهتمامنا بأمور كثيرة كانت ضرورية لنا في السابق. وربّما من حسن حظنا نحن الشباب أنّ الغزل والكلام الجميل ما زال مجانياً".

ويبدو أنّ الأزمة السورية انعكست كذلك على شكل العلاقات الزوجية مثلما حدث مع فاطمة ومروان، زوجان يعيشان في ريف إدلب. تروي فاطمة أنّهما متزوّجان منذ سبعة أعوام، "ومثل سوانا تغيّرت حياتنا رأساً على عقب خلال السنوات الماضية. حين تزوّجنا كانت أحوالنا المادية جيدة جداً، أمّا اليوم فبالكاد نتدبّر مصاريف حياتنا. خسرنا الكثير وتغيّرت حياتنا كلياً. فقد عشنا ضغوطاً مالية كثيرة وكثرت المشاكل بيننا". تضيف أنّ "مروان كان يشعر بداية بأنّه فقد مصدر قوته في المجتمع وأمامي. لكنّ هذا لم يكن دقيقاً، إذ لم أتزوّجه لماله. وأنقذنا الحبّ من الانفصال، إذ ساعدنا على التصالح مع واقعنا الجديد". وتؤكد أنّ "حياتنا سعيدة اليوم على الرغم من كل شيء. عندما أنجبت أحمد (طفلنا الأول) قبل ستّة أعوام، أهداني سيارة. أمّا العام الماضي، فأهداني أغنية عبر فيسبوك عندما أنجبت فرح".

وتقول فاطمة إنّ "الأزمة علّمتنا أن نكسر حواجز كثيرة. فبعدما تراجعت أحوالنا المادية، صرت أعمل مدرّسة خاصة. وبعدما ازدادت أعباء أعمال المنزل عليّ، صار مروان الذي لم يدخل المطبخ في حياته إلا لتناول الطعام، يساعدني في كلّ شيء. وهذا يعني لي الكثير، على الرغم من أنّه ما زال يتحفّظ عن فعل ذلك في حضور أيّ شخص غريب".