عراقيات يتصدين للتحرش بـ "المسدس" والفنون القتالية

عراقيات يتصدين للتحرش بـ "المسدس" والفنون القتالية

02 ديسمبر 2017
لا يخفن من المواجهة (واثق خزاعي/ Getty)
+ الخط -
يساهم التحرش إلى حد كبير في منع الفتيات العراقيات من تحقيق طموح العمل، أو مواصلة الدراسة، أو حتى الخروج للتنزه والتسوق. 

تشير مصادر أمنية في وزارة الداخلية إلى أنّ بعض السجناء جاؤوا في جرائم قتل كان سببها التحرش، فضلاً عن مشاكل عديدة وشجارات تؤدي إلى إصابات خطيرة للسبب عينه. ويؤكد النقيب في وزارة الداخلية علي العبيدي، لـ"العربي الجديد"، أنّ فتيات أخبرن ذويهن بأشخاص تحرشوا بهن وكانت النتيجة عراكا وصل في بعض الحالات إلى القتل والإصابات الخطيرة.

أمام الحاجة إلى مواصلة الدراسة، ومزاولة العمل والحياة العامة، لا تأبه كثيرات بما يواجهن من تحرش، فيما تتخذ أخريات وسائل دفاعية لحماية أنفسهن من المتحرشين. نبأ أحمد، منذ كانت تلميذة في المدرسة الثانوية وحتى تخرجها من الجامعة، تعتمد على أحد ذويها في مرافقتها من المدرسة وإليها. وحتى بعدما تزوجت وأصبحت أماً، تخشى الخروج بمفردها إلّا للضرورة، بحسب قولها. توضح لـ"العربي الجديد": "كنت تلميذة في المرحلة الثانوية بعد احتلال العراق وسقوط نظام صدام حسين عام 2003، وكان الوضع مخيفاً، إذ شهدت البلاد انفلاتاً أمنياً، وكان أهلي يخافون عليّ من كلّ شيء، خصوصاً التحرش. لم تكن هناك شرطة توفر الأمن وتفرض القانون بعد حلّ القوات الأمنية السابقة (من قبل الحاكم الأميركي المدني بول بريمر) ما جعل الكثير من الشبان والمراهقين يتمادون في التحرش بالنساء والفتيات بشكل مقرف". تضيف: "حتى بعد تشكيل قوات أمنية جديدة لم تكن هناك أي وسيلة لردع المتحرشين، فازداد الأمر سوءاً. تخرجت من الجامعة عام 2010، وتزوجت وصرت أماً، لكنّي ما زلت أخشى الخروج بمفردي إلا للضرورة الملحّة. وللأسف فالمتحرشون يوجهون كلمات مسيئة وغير مؤدبة، أخاف إن خرجت بمفردي وتعرضت لتحرش أن أتسبب بضرر لزوجي أو أحد أشقائي إن دخلوا في عراك مع متحرشين".

كثيرات مثل نبأ، لكنّ منهن من يتحدين التحرش، ويخرجن بمفردهن إلى الدراسة أو العمل، وممارسة الحياة من دون خوف. يعتمدن على قناعتهن بعدم تمكن المتحرشين منهن، وسلاحهن الثقة بالنفس. رباب زيدان (27 عاماً)، تقول إنّها تتلقى كلّ يوم العديد من عبارات التحرش، ومضايقات الشبان، لكنّها تمضي في طريقها من دون أن تأبه لهم. تقول رباب، التي تعمل معلمة في روضة للأطفال في بغداد، لـ"العربي الجديد": "لن يخيفوني وإن حاولوا الوقوف في طريقي، وهو ما حدث في إحدى المرات، لكنّي كنت جريئة وصرخت في وجوههم وهددتهم". تضيف: "كثيرون يخشون من المرأة الجريئة القوية التي تكون نداً للرجل. المتحرشون يبحثون عن المرأة الضعيفة ليظهروا قوتهم عليها".

بعض النساء قررن مواجهة المتحرشين بالقوة. يؤكدن أنّ في متناولهن الوقوف في وجه المتحرشين وردعهم باستخدام حلول عديدة من بينها السلاح. لمياء حسين (35 عاماً)، التي تعمل في محل تزيين نسائي تقول إنّها لن تتوانى عن استخدام المسدس الذي بدأت حمله منذ عامين، كما تقول لـ"العربي الجديد". تضيف: "بعض المتحرشين أشبه بالوحوش، لذلك اضطررت إلى حمل المسدس، فقد تعرضت لمضايقة مقززة من قبل أربعة شبان وكنت في حينها عائدة من عملي عند الساعة التاسعة مساء تقريباً، وكان الشارع خالياً من المارة، فحاصروني وحاولوا اصطحابي بالقوة معهم وأسمعوني كلاماً خادشاً للحياء". تتابع: "لكنّني استجمعت قوتي وصرت أصرخ بصوت مرتفع، وأركلهم في الوقت نفسه، فهربوا بعدما خرج أشخاص من بيوتهم بسبب صراخي". تشير إلى أنّها، منذ تلك الحادثة، صارت تحمل مسدساً في حقيبتها. لمياء تقول إنّها تعمل لمساعدة زوجها الذي لا يكفي راتبه لسد نفقات أسرتهما. ولم تمتثل لطلب زوجها بترك العمل حفاظاً على سلامتها، بل أصرّت أن تواجه المتحرشين بالقوة، وإن كان رميهم بالرصاص هو الحلّ. وبالرغم من أنّها منذ حملت المسدس لم تستخدمه، لكنّها، بحسب قولها، رفعته مرة واحدة لتهديد أحد المتحرشين: "هرب حين أخرجت المسدس من حقيبتي، فزاد هذا الموقف من جرأتي وشجعني على المضيّ قدماً في مواجهة أيّ شخص يحاول التحرش بي". لكنّها بالرغم من هذا تقول: "لا أدري، ربما أضطر إلى قتل شخص ما دفاعاً عن نفسي، لكنّي في أعماقي وباتفاق مع زوجي إن اضطررت لاستخدام المسدس، فسأطلق النار في الهواء لأخيف المتحرشين، لا أكثر من ذلك".

المسدسات، خصوصاً الصغيرة، تنتشر بين عراقيات، لكنّ غيرهن يحملن أسلحة أقل خطورة، مثل شيماء الشيخلي، التي تقول إنّها تحسن استخدام السكين في الدفاع عن نفسها. تقول شيماء، وهي أرملة وأم لأربعة أطفال، إنها بدأت الخروج إلى العمل، منذ وفاة زوجها بحادث مروري عام 2011، وتعرضت لمضايقات كثيرة من قبل متحرشين، ونصحها كثيرون بحمل سلاح لحماية نفسها. في حديثها إلى "العربي الجديد"، تؤكد شيماء أنّها تجيد استخدام السكين في حال الدفاع عن النفس، أو تهديد المتحرشين لها. تضيف: "رفعت السكين مرتين في وجه أشخاص متحرشين، في إحداها كان المتحرش ثملاً واعترض طريقي وحاول التهجم عليّ، فأخرجت السكين وهددته بها، فأفسح أمامي الطريق ومشيت، وفي الثانية ساعدت ثلاث فتيات كان شبان مراهقون يلاحقونهن، ويسمعونهن كلاماً مسيئاً، وكنَّ خائفات، فأخرجت السكين وصرت أطوح بها أمام وجوههم فهربوا".

ولضرورة دفاع الفتيات عن أنفسهن، بسبب حالات التحرش التي تصل إلى حد اللمس، أصبح تعلم الفنون القتالية يلقى اهتماماً. سالي رضا (17 عاماً)، تتقدم كثيراً في رياضة الـ"كونغ فو" التي تمارسها منذ عامين. تقول لـ"العربي الجديد"، إنّها تواصل تدريباتها في قاعة رياضية تحت إشراف مدرب مختص. وتضيف: "المدرب هو شقيق صديقة لي، اتفقنا أنا وصديقاتي أن يدربنا حتى نتقن فن القتال، للدفاع عن أنفسنا أولاً ولتدريب أجسامنا ثانياً. لم نعد نخاف مواجهة أي شخص". تؤكد سالي أنّها وإحدى صديقاتها أسقطتا ثلاثة شبان أرضاً في إحدى المرات: "أسمعنا أحدهم كلاماً فيه غزل، فنهرته صديقتي وهددته بأن تضربه بقسوة إن أعادها، فاستهزأ الشبان بكلامها فضربتْ اثنين منهم وساعدتها بضرب الثالث". تضيف: "في خلال ثوان قليلة سقط الشبان على الأرض بضربات سريعة منا".

المساهمون