عربة مشروبات لخريجي غزة

عربة مشروبات لخريجي غزة

07 نوفمبر 2017
لا تهمه النظرات السلبية (محمد الحجار)
+ الخط -
تشهد شوارع قطاع غزة انتشاراً كبيراً لعربات صغيرة يقف عليها شبان يبيعون المشروبات الساخنة المتنوعة. اللافت أنّ معظم الشبان هم من خريجي جامعات قطاع غزة، ولم يحصلوا على أيّ فرصة عمل، مقابل عدد قليل منهم عمل مسبقاً بعقود بطالة مؤقتة مدة أشهر قليلة.
وجد بعض الشبان في مشروع عربات المشروبات عملاً يعود عليهم بدخل بدلاً من البقاء في البطالة. وبالرغم من أنّ كثيرين من بينهم استبعدوا فكرة هذا العمل بعد التخرج إلا أنّ ظروفهم أجبرتهم على العمل في منتصف الشارع من دون الشعور بأي إحراج.

العربة بالنسبة للشبان الخريجين لا تحتاج إلى رأسمال كبير. فكلّ عربة تبلغ كلفتها ما بين 200 دولار أميركي و300، وهو مبلغ بالنسبة لكثيرين يمكن الحصول عليه حتى لو كان عن طريق الاستدانة. أما الأرباح فتسد حاجتهم وفي بعض الأحيان حاجة أسرهم.

أحد الشبان الذين استدانوا حتى ينشئوا مشروع عربة مشروبات هو محمد خلف (26 عاماً)، فقد استدان مبلغ 200 دولار من أحد أصدقائه، وصمم عربة خشبية واشترى أباريق بأحجام مختلفة ومعدات مشروبات، وبدأ يعمل منذ التاسعة صباحاً حتى الثامنة مساء في منطقة الساحة وسط مدينة غزة.

تخرّج خلف عام 2013 من جامعة الأزهر في اختصاص المحاسبة، وعمل بعقد بطالة مؤقت لمدة 6 أشهر عام 2015 ضمن برامج التشغيل المؤقت التابعة لحكومة غزة السابقة التي واجه فيها عدم انتظام راتب البطالة الشهري في ظل الأزمة التي كانت تعاني منها الحكومة، وبالرغم من تقدمه إلى عشرات الوظائف كما يشير فإنّه لم يتلقَّ حتى الردّ على طلبات التوظيف، وهو يعتبر أنّ الواسطة والمحسوبية الحزبية أساسية لتأمين الوظيفة في غزة.

يقول لـ "العربي الجديد": "أنا لست ابن حماس أو فتح للأسف كي أحصل على فرصة عمل. العربة هي حياتي. هنا أشاهد كلّ طبقات المجتمع وأتعرف على أحوال الناس في الأسواق، حتى إنّني أشاركهم همومهم، لأنّ من يطلب مشروباً لا يكتفي بأخذه والانصراف، بل يقف كثيرون منهم عند العربة ويتحدثون إليّ".



بعض الشبان كانوا في البداية يشعرون بالخجل من العمل على العربات، لأنّ النظرات السلبية التي تلاحقهم كثيرة، وهو ما حصل مع مؤيد رمضان (29 عاماً) خريج تكنولوجيا المعلومات من جامعة القدس المفتوحة، وهو أب لطفلين. عمل رمضان في إطار عقد بطالة مدرساً لمادة تكنولوجيا المعلومات في إحدى المدارس الحكومية، وفي مدرسة خاصة أخرى ولمدة فصل دراسي واحد مدة 5 أشهر، وبعد عامين ونصف من دون عمل اضطر إلى العمل على عربة بيع المشروبات في منطقة الشيخ رضوان بعدما صادف كثيراً من الخريجين الأصدقاء على هذه الحال. لا ينكر أنّه كان يخجل من مشاهدة أحد معارفه له، لكنّه اليوم لم يعد يهتم.
يقول لـ"العربي الجديد": "أحد التلاميذ الذين درّستهم عام 2014، جاء ليشتري مني فنجاناً من القهوة، وقال لي إنّي أشبه أستاذاً درّسه في الثانوية. يومها أخبرته أنّه يولد من الشبه أربعون لأنّي لم أشأ أن أحبطه من الواقع أكثر".

أفضل من البطالة (محمد الحجار)

ما يدفع الشبان الخريجين للعمل على عربات المشروبات أنّها غير ملاحقة بالضرائب، نظراً لكونها متنقلة ولا تستقر في مكان، وفي بعض المرات تتساهل شرطة البلدية معهم وتطلب منهم الوقوف في أماكن بعيدة عن المفترقات المزدحمة، وهو ما يحصل مع أحمد البيك (30 عاماً) الذي يعمل بالقرب من مجمع المحاكم في منطقة اليرموك في غزة. يشير البيك إلى أنّ البسطات التي تنتشر في الأسواق والشوارع تتعرض في كثير من المرات لملاحقة شرطة البلدية لها لأنّها تؤثر سلباً على السير، على عكس عربات المشروبات، بل إنّ بعض عناصر الشرطة تأتي لشراء المشروبات منهم.

يقول البيك لـ"العربي الجديد": "تخرجت من اختصاص الهندسة المدنية من كلية الهندسة في جامعة فلسطين، وعملت في مهنة إدارية لا تمت بصلة لاختصاصي، ومضيت أتنقل من مهنة إلى أخرى لأنّ الهندسة لا قيمة لها من دون واسطة للأسف، وانتهى بي الحال عند هذه العربة التي أجد فيها استقلالية نوعاً ما بالرغم من صعوبة الوضع الاقتصادي".

بحسب آخر إحصائية لمركز الإحصاء الفلسطيني نهاية عام 2016، ووفقاً لمعايير منظمة العمل الدولية، فإنّ نسبة البطالة في فلسطين بلغت 25.9 في المائة، وبلغ عدد العاطلين عن العمل 336 ألف شخص في فلسطين، منهم نحو 143 ألفاً في الضفة الغربية ونحو 193 ألفاً في قطاع غزة. وما زال التفاوت كبيراً في معدل البطالة بين الضفة الغربية وقطاع غزة إذ بلغ المعدل41 في المائة في القطاع مقابل 17 في المائة في الضفة.

المساهمون