ليست مشكلة أعداد

ليست مشكلة أعداد

30 نوفمبر 2017
ثمّة ضعف في تأثير الندوات (فايز نور الدين/فرانس برس)
+ الخط -

خلال العقود القليلة الماضية نشأت في الوطن العربي مراكز أبحاث ودراسات متعددة، وتوزّعت بين الجامعات والمؤسسات الحكومية وثالثة مستقلة تولاها المجتمع المدني بتنظيماته وبتمويل خارجي، في أغلب الأحيان. الآن لدينا في كل دول المنطقة العربية العشرات من هذه المراكز، تمارس نشاطها عبر عقد المؤتمرات والندوات التي تتناول أصعدة ومجالات متنوعة. لكن ما يستدعي التفكر فعلياً يتعلق بالفوائد المتحققة من هذه المراكز، ومدى قدراتها التأثيرية على القرار السياسي التنموي، وعلى تكوين وعي حقيقي ينتقل بالشعوب العربية من مرحلة إلى مرحلة أعلى من الاهتمام بالشأن العام والسياسة باعتبارها فن إدارة المجتمعات وحل التناقضات من دون بلوغها مرحلة الانفجار.

مثل هذا الكلام يفرض النظر بجدية إلى دور هذه المراكز التي يمكن تصنيفها خارج الإطار التقليدي إلى قطاع عام وخاص ومجتمع مدني، إلى مؤسسات ذات أهداف تنموية فعلية، وأخرى تعمل على تسويق سياسات قائمة أياً كانت الجهة التي تعمل لها. ثم هناك كيفية تفعيل آليات ووسائل الإفادة السياسية والمجتمعية من هذه المراكز، وما تشهده المؤتمرات من أبحاث، وما يطرح داخلها من معطيات وآراء بهدف الوصول إلى التأثير على مؤسسات وأشخاص صنع القرار.

لعل ضعف تأثير هذه الندوات والمؤتمرات والمنشورات التي تصدرها هذه المراكز ككتب ومجلات وتقارير يعود في جانب منه إلى تزييف الوعي الذي تمارسه كل من السلطات السياسية والجماعات الدينية السلفية والمتطرفة، على حد سواء، والتي تبسِّط الحلول التي تزرعها في رؤوس العامة من الناس حول الحلول التي تعالج المشكلات المتفاقمة. لكن الجانب الموازي الذي يتوجب أن يحسب له حساب يتمثل في وضع هذه المراكز الذي لا يزال هامشياً، من دون أن يكون سبب ذلك قلة العدد، إذ هناك العديد من المراكز التي ساهمت مساهمات ملموسة في خلق وعي حقيقي عبر ما تنشره وتطلقه من أفكار واقتراحات لا تجد من يعمل علي الإفادة منها، وتحويلها إلى وقائع وبرامج في المشهد العام.

بالطبع يعود السبب إلى تخلّف البُنى السياسية السلطوية المهيمنة، وضعف البُنى والأطر الديموقراطية المستقلة، لكن ما يساعد على ذلك هو تخلّف ميدان البحث العلمي وبقاؤه خارج إطار التأثير على حياة الناس ومعيشتهم. يضاف إلى ذلك العدد الكبير من المعوِّقات والتحديات التي تواجه تلك المراكز، ومنها ما يتعلّق بالبيئة الخارجية المحيطة بعملها، لجهة القيود التي تعيق عملها. ومع أن هذه المعوّقات تتباين بين دولة وأخرى، إلا أن الملفت في أوضاع المنطقة مع التفاوت بين بلد وآخر هو دخول العامل الأهلي إلى جانب الرسمي والحكومي في فرض قيوده على المراكز والباحثين، لاسيما تضييق مجال هامش الحرية المتاح للمراكز والباحثين للقيام بدور ثقافي تنويري مطلوب.

*أستاذ جامعي

المساهمون