هذه مراحل تطور مشاركة الجزائريين في الاستحقاقات الانتخابية

الانتخابات في حياة الجزائريين... من التجمعات بالمناطق النائية إلى مواقع التواصل

23 نوفمبر 2017
كبار السن يتعاطون مع العملية الانتخابية بالطريقة نفسها(العربي الجديد)
+ الخط -


كان المذياع أكثر ما يربط معظم الجزائريين بالسياسة حتى الثمانينيات، لم يكن التلفزيون قد وصل بعد إلى كل البيوت، كما كانت الصحف قليلة وتوزيعها منحصرا على الحواضر، ولا تكاد تصل إلى المناطق النائية، وفي ظل هذا الوضع، يصبح التساؤل حول الكيفية التي كان يأخذها شكل الانتخابات في تلك الفترة الأولى من عمر الجزائر المستقلة، والتي لم تكن قد عرفت سوى عدد محدود من الاستحقاقات الانتخابية.

قبل عام 1988 كانت الانتخابات في الجزائر مغلقة على الصعيد السياسي وتتخذ شكلاً مغايراً لما هي عليه في الوقت الحالي، إذ كانت البلاد تعيش عهد الحزب الواحد الذي يرشح من كوادره مجموعة من المرشحين، ويختار الناخبون بينهم، ولم تكن هناك قوائم مستقلة خارج دائرة الحزب الحاكم، وفي الغالب كانت النتائج مرسومة، ولم تكن السلطة الحاكمة حينها بحاجة إلى أصوات الناخبين بل كانت عملية انتخابية آلية وصورية تعطي الشرعية للمؤسسة المنتخبة سواء كان البرلمان أو مؤسسات الحكم المحلي.

في تلك الفترة كان كل المرشحين يمرون عبر آلية الاختيار الوحيدة وهي حزب "جبهة التحرير الوطني"، لاستبعاد كل من له سوابق ضد الثورة أو الدولة، وكان الحزب يختار مرشحين اثنين لرئاسة البلدية، على أن يختار الناخبون أحدهما.

وبدأت رئاسة البلدية عام 1967، بينما كان الحزب يتولى في انتخابات البرلمان مسؤولية الاختيار الأولى للمرشحين، ويقدم ثلاثة مرشحين عن كل مقعد في البرلمان، ويدرجون في نفس الورقة الانتخابية على أن يقوم الناخب بالشطب على من يرغب في  تزكيته، وجرت أول انتخابات برلمانية في سبتمبر/أيلول عام 1962، قبل أن تتجمد عملية انتخاب البرلمان حتى عام 1977.

وفي ظل الغياب النسبي للتلفزيون ومحدودية توزيع الصحف أيضا، كان الشكل التواصلي بين الناخبين والمرشحين بدائيا جدّا، وينحسر على التجمعات الشعبية التي تأخذ اتجاها واحدا جراء قلة مساحات النقاش في الشؤون السياسية، أما الانتخابات الرئاسية فكانت تأخذ شكل استفتاء شعبي أكثر منها انتخابات بالمعنى الذي يفترض وجود أكثر من مرشح، إذ كانت الجزائر تشهد ترشيح الحزب الواحد (جبهة التحرير الوطني) للرئيس، لينتخب عليه الشعب بورقتين واحدة بـ"نعم" و أخرى بـ"لا".

ويوضح الكاتب ميلود سويهر أن الانتخابات في عهد الأبيض والأسود كانت مختلفة في سياقاتها وأشكالها ومضامينها عن الانتخابات التعددية الراهنة: "كان الحزب الواحد يقيم تجمعات لشرح أفكار سياسية، لم تكن بالضرورة مفهومة من قبل الناس، ليقدم مرشحين في البلدية أو البرلمان أو الرئاسة دون أن يكون للناخبين أي رأي"، ويضيف: "يوم الانتخابات كان مشهوداً، ولقد اتخذت الانتخابات مساراً منتظماً فقط منذ فبراير/شباط 1977، قبلها كان هناك سلطة لمجلس الثورة ".

كان للحزب الواحد رمزيته عند الجزائريين (رياض قرامدي/Getty)

ويوضح محمد إبراهيم قاسيمي، وهو موظف بلدي متقاعد في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الحزب الواحد كان يفرض رمزيته على الجزائريين من جهة باعتباره صاحب الشرعية الثورية، وسطوته السياسية في الوقت نفسه، وكان المرشحون يأتون مرة إلى المدينة أو المناطق الحضرية المعنية بترشحهم للخطاب، وكانت البلدية هي من تقوم بتعليق صورهم، دون أن يكون هناك أي نقاش أو أجواء تعطي للانتخابات معناها".

كانت الانتخابات في الماضي مختلفة (باسكال لوسيغارتين/Getty)



ويضيف:" لم يكن الناخبون يعرفون المرشحين، ولم يكن للجزائريين أي إمكانية ووسائل للبحث في هويات من يترشحون للبرلمان مثلا، ناهيك عن الرئيس الذي كان المسؤولون يقيمون تجمعات لشرح خطبه وحشد الناس لتأييد ترشيحه من قبل الحزب".

وبين الأمس واليوم تغيرت الكثير من المعطيات والتفاصيل في انتخابات الجزائر، لكن بالنسبة لكبار السن من الشيوخ والعجائز، فإنهم مازالوا يتعاطون مع العملية الانتخابية بالطريقة نفسها، خاصة أن معظمهم لم تتح لهم فرصة التعليم، والكثير منهم  مازالوا غير قادرين على  التمييز بين الأحزاب السياسية الراهنة والمرشحين وبرامجهم.

تغيرت انتخابات الجزائر بين الأمس واليوم (باتريك باز/ Getty)


غير أن تطور الأوضاع في الجزائر انسجاماً مع التطور الحياتي والتكنولوجي وتغير الأدوار  وتشابك العلاقات الاجتماعية، غيّر بصورة كبيرة الأشكال التواصلية بين الفاعل السياسي والشعب كناخبين من الجيل الجديد الذي صار يعرف المرشحين عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وتوفرت لهم أكثر من وسيلة للتواصل والتعرف على مجمل التفاصيل الانتخابية، بل إن الأحزاب والمرشحين كيّفوا طرق الاتصال السياسي مع التحولات والثورة المعلوماتية لإيصال الخطوط العريضة من برامجهم الانتخابية والحزبية، وفتحت الأحزاب صفحات خاصة مرشحيها، وبخاصة في الانتخابات البلدية، ناهيك عن آلاف التجمعات الشعبية التي يتبارى فيها المرشحون لإقناع الناخبين ببرامجهم.