بدو الجزائر... حياة ترحال قاسية ينقصها الكثير

بدو الجزائر... حياة ترحال قاسية ينقصها الكثير

21 نوفمبر 2017
لا يتصلون كثيراً بالحياة العصرية (فايز نور الدين/فرانس برس)
+ الخط -

البداوة جزء كبير جداً من التراث العربي، لكنّها ما زالت حاضرة في كثير من المناطق خصوصاً الصحاري. وعلى الرغم من أنّ أعداد البدو في الجزائر ليست كبيرة فإنّهم شريحة ملحوظة تحاول السلطات تأمين بعض حقوقها.

في العديد من المناطق الجزائرية كالجلفة والأغواط (وسط) والبيض والنعامة (جنوب غرب) ووادي سوف (جنوب) وفي صحراء تبسة والنمامشة على الحدود الجزائرية التونسية، ما زالت عائلات ومجموعات من البدو تعيش على الحلّ والترحال، وتحاول تطويع الطبيعة والتعايش مع المناخ المتقلب صيفاً وشتاء للبقاء.

تغيرت الظروف وطبيعة الحياة وتفاصيلها، لكنّ البدو ممن يقيمون في مناطق الشريط الحدودي بين الجزائر وتونس كمنطقة دوار الماء والطالب العربي وبن قشة هم أكثر من شريحة تحاول التمسك بنمط عيش بسيط لا يتقاطع إلاّ في تفاصيل صغيرة مع الحداثة التي غزت حياة المدينة، فما زالوا يرتبطون بالأرض والطبيعة التي تحدد اختيار المكان الذي يقيمون فيه فترة من الزمن، مع توفر الكلأ والماء لمواشيهم. ينصبون الخيام فيسكنون فيها ردحاً من الزمن قبل أن ينتقلوا إلى مكان آخر، إذ تجدهم على حواف وأطراف الوديان قرب المدن.

لأجل البقاء، يعيش البدو الرحّل في الجزائر في صراع يومي من أجل كسب معركة الحياة. عشرات العائلات تتنقل رفقة مواشيها من دون غاية سوى الكلأ والماء. يقطعون المسالك الوعرة باتجاه المدن الداخلية في الهضاب والصحراء ولا تهمهم المسافات الطويلة.

أثر المناخ

يرحل البدو بخيامهم المصنوعة من الوبر وأغنامهم وإبلهم وأغراضهم عبر مختلف المناطق الجزائرية. ما زالت تفاصيل حياتهم اليومية مرتبطة بالحطب لإشعال النار وإعداد الخبز الذي يطلقون عليه اسم "الملة" وهو خبز السميد بالملح والماء يوضع على رمل ساخن ويغطى بالجمر، بعد فترة قصيرة ينفض عنه الرمل فيكون جاهزاً للأكل، وغالباً ما يؤكل مع البصل وشحم الإبل، وهو غذاؤهم اليومي مع الشاي الذي يعدّ على الجمر أيضاً.

في أرقام غير رسمية، هناك 600 ألف جزائري من البدو الرحّل تقريباً يجوبون العديد من المناطق الجزائرية، لأجل الماء والكلأ وتربية المواشي. كثيرون من بينهم يعيشون في عالم آخر لا علاقة له بالمجتمع الجزائري العادي إذ لم يتأثروا بتطورات الحياة بالإضافة إلى بعدهم الدائم عن صخب المدن.

في السنوات الأخيرة، ازدادت معاناتهم بسبب التحول المناخي الذي تشهده مناطق الصحراء والسهوب. يؤكد الناشط المدني أحمد منصاري من برج باجي مختار أنّ معاناة البدو الرحل في صحراء برج باجي مختار ازدادت في الفترة الأخيرة، مع نقص منسوب المياه الجوفية وجفاف الأرض ما جعلهم يبتعدون للحصول على الأرض الصالحة لرعي مواشيهم مما يضطرهم للابتعاد مسافات عن مصادر المياه المتوفرة في الآبار القريبة.



تسرّب مدرسي

وراء كلّ خيمة بدو قصص من المعاناة والصبر أيضاً. في منطقة دوار الماء على الحدود الجزائرية التونسية يولد أطفال البدو ليجدوا أنفسهم رعاة غنم. مصيرهم يسبقهم بحسب أستاذة علم الاجتماع كريمة مكتف التي تؤكد في حديثها إلى "العربي الجديد" أنّ أطفال هذه الفئة محكومون بتوارث ما وجدوا عليه آباءهم من ترحال وتنقل دون معرفتهم بالحياة الأخرى وما فيها كالتعليم مثلاً. تعتبر أنّ الأطفال هم ضحايا في النهاية، إذ سيرثون ذلك الترحال من منطقة السهوب نحو الشمال في الصيف بحثاً عن الرزق والكلأ لمواشيهم، والعودة لاحقاً والبحث عن مراعٍ جديدة كلّ مرة.

يكشف تقرير لمديرية التربية بولاية أدرار، جنوب الجزائر، أنّ أطفال البدو الرحل يشكلون أكثر الفئات تسرباً من المدرسة بولاية أدرار ضمن مرحلة التعليم الإلزامي (ما بين 6 أعوام و16 عاماً). حاولت سلطات الولاية إدماج أكثر من 2960 طفلاً من البدو في مسار التمدرس بشتى الآليات تماشياً مع مبدأ الدولة بتكريس إلزامية التعليم للأطفال ما دون 16 عاماً بالرغم من أنّ أغلبهم خصوصاً في منطقة رقان وبرج باجي مختار القريبة من الحدود مع مالي لم يحصل على وثائق نتيجة عدم تسجيلهم في الحالة المدنية (سجل المواطنين).

يوضح التقرير أنّ أسباب هذه الظاهرة التي تنتشر لدى البدو الرحّل تعود في الأساس إلى تنقل الأطفال مع آبائهم لممارسة نشاط الرعي في البادية مما يتسبب في عدم التحاقهم بمقاعد الدراسة، أو مغادرتها بعد انطلاق الموسم الدراسي. وتشير الأستاذة مكتف إلى أنّ مسألة البدو الرحل في الجزائر خلقت مشكلة في عقود سابقة إذ كان أغلبهم لا يسجل أطفاله في الحالة المدنية، ناهيك عن ولادتهم في ظروف سيئة.

يقول الساسي محمد، وهو من البدو ينتقل بين صحراء وادي سوف والصحراء التونسية إنّه لم يسجل أبناءه الثلاثة في البلدية، بسب رفضها كونه تعدى حدود الستة أيام التي يمنحها له القانون لتسجيل ابنه. يتابع: "كنت في منطقة قرب الحدود مع تونس في قلب الصحراء، وبعد ولادة ابني الأول وتسميته إبراهيم كان عليّ أن أنتقل إلى العاصمة لتقديم عريضة لدى محكمة العاصمة، وهي المحكمة الوحيدة المخولة بإصدار أحكام بتسجيل المواليد الجدد بعد تجاوز المدة القانونية للتسجيل بعد الولادة".



قوافل علاج

تلك مشكلة عميقة تبرر ضعف العلاقة بين البدو والمدينة في الجزائر، فالمدينة بالنسبة لبعضهم ليست سوى جهة للتزود بالمواد الغذائية، إذ يجد البدو الرحل فارقاً كبيراً بين تفاصيل العيش فيها والعيش في خيامهم، بالرغم من أنّ بعضهم لا يعوزه المال بل يملك قطعاناً كبيرة من الغنم والإبل يعتاش من تكاثرها وبيعها.

أكثر ما يعانيه هؤلاء مشكلة الطبابة خصوصاً أنّ الظروف المناخية واستمرار التنقل من منطقة إلى أخرى، يعرضهم لكثير من الأمراض ولدغات العقارب والأفاعي. تقرّ رئيسة الهلال الأحمر الجزائري سعيدة بن حبيلس بهذا الوضع، وقد سبقت لها الإشارة إلى أنّ البدو الرحّل يحتاجون إلى التفاتة المسؤولين في الولايات ومساعدتهم على العلاج خصوصاً، لأنّ العلاج معضلة بالنسبة لهم: "لا يمكنهم تلقي العلاج بسبب ترحالهم المستمر شتاءً وصيفاً وعدم الاستقرار في مكان واحد، فضلاً عن عدم امتلاكهم وثائق رسمية تمكنهم من الخدمات الصحية التي توفرها الحكومة الجزائرية بالمجان". هذا الوضع يدفع الهلال الأحمر الجزائري إلى تنظيم قوافل علاج لفائدتهم عن طريق زيارات ميدانية إلى مناطقهم وإسعاف المرضى منهم، بالإضافة إلى تموينهم بمساعدات اجتماعية من المواد الغذائية والأغطية.



اقتراع قبل الجميع

منذ استقلال الجزائر، ظلّ البدو الرحّل ضمن دائرة الاهتمام السياسي للدولة، عبر إبقاء علاقتهم بالبلاد متينة من خلال إشراكهم في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والبلدية. تنظم السلطات ما يعرف بالمكاتب المتنقلة لمنح حق الاقتراع للمسجلين في الحالة المدنية من البدو. يبداً البدو عملية الاقتراع قبل يوم الاقتراع العام في البلاد بثلاثة أيام، وتنقل إليهم صناديق الاقتراع حتى خيامهم وأماكن تواجدهم، مع عرض قوائم المرشحين أمامهم لاختيار من يرغبون في التصويت لصالحه، مع الإشارة إلى أنّ عملية اقتراع البدو ونتيجته، دائماً ما تشوبها شكوك ومشاكل تتعلق باتهامات توجهها قوائم وأحزاب المرشحين إلى السلطات المحلية بالتلاعب بنتائج هذه الصناديق. ففي ولاية أدرار تحصي السلطات أكثر من 8500 ناخب وناخبة من البدو خصص لهم 11 مكتب انتخاب متنقلاً.

مع بعض التطور في حياتهم، وتماسهم مع المدينة أحياناً، وامتلاك بعضهم سيارات، وعلاقاتهم الاجتماعية بعائلات تقيم في المدن، أصبح اهتمام البدو بالسياسة أكبر من أيّ وقت مضى. مع اقتراب الانتخابات البلدية المقررة بعد غد الخميس في الثالث والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني، بدأ البدو الرحّل أمس الاثنين الاقتراع قبل الجميع، إذ تتولى السلطات جلب التجهيزات اللازمة وضبط ترتيبات نقل صناديق الاقتراع إلى أماكن البدو على مسافات تصل في عمق الصحراء إلى 400 كيلومتر.

يفرض البدو الرحّل على اللجان المشرفة على الانتخابات خوض ترحال مسافته مئات الكيلومترات والإياب منه كما يفعلون هم بالضبط، ولو أنّ اللجان تخوض هذه الرحلات بسيارات رباعية الدفع، إذ من غير الممكن للسيارات العادية أن تتوغل في قلب الصحراء والمناطق النائية، حيث لا تتوفر الطرقات والمسالك، وتحلّ بدلاً منها متاعب الحياة الصعبة لفئة من الجزائريين ما زالت تضرب خيامها الموسمية في قلب الصحراء وتعيش حيث تجد المرعى لقطعانها.

دلالات