عالم الأمس وعالم الغد المعقد

عالم الأمس وعالم الغد المعقد

02 نوفمبر 2017
ثمّة تركيز على الشرق الآسيوي، ولا سيّما الصين (Getty)
+ الخط -

لم تنشأ مراكز الأبحاث والدراسات كنتيجة للأحداث السياسية المهمة في التاريخ العام أو لدولة من الدول، أو لتغيير ما طرأ مثلاً على النمط السياسي الداخلي والخارجي لنظام من الأنظمة، أو لقضية طارئة مفردة تتطلب البحث والدراسة والبحث عن حلول ملائمة. فهذه المراكز قامت وتطوّرت ونشأ مزيد منها بفعل تسارع تطوّر المجتمعات، إذ من المعروف أنّ كل تطوّر في مجال ما يفرض سياقه على أصحاب السلطة وصنّاع القرار والمؤسسات وجملة الباحثين. وعليه يمكن رصد، وبسهولة، تنوّع وتعدّد هذه المراكز وشمولها معظم حتى لا نقول كلّ مجالات النشاط البشري من دون استثناء.

وضمن حالة النهوض هذه، تقوم مجموعة من ذوي الخبرة والاختصاص ومن المتابعين للقضايا العامة، بتأسيس تلك المراكز والغوص في قراءة وتحليل يتجاوزان اللحظة الراهنة إلى استشراف المستقبل وما يحمله من متغيّرات. وعليه تنتشر في الولايات المتحدة الأميركية اليوم المراكز التي تُعنى بدراسة تطوّر الأوضاع، مع التركيز على الشرق الآسيوي، ولا سيّما الصين مع ما سوف يتركه ظهورها المدوّي على المسرح من تفاعلات على الهيمنة الأميركية وجملة الاقتصاد العالمي وتأثيرات ذلك على مراكز القرار والتوازنات. بالتالي، فإنّ دراسة هذا العامل المتحوّل تبدو في صلب ومقدّمة قائمة الاهتمامات السياسية والبحثية للإدارة الأميركية اليوم، نظراً إلى أنّها سوف تقلّص بالضرورة من نفوذها.

وفي نظرة إلى تطوّر عدد مراكز الأبحاث في العالم عموماً والولايات المتحدة الأميركية خصوصاً حتى قرابة العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين وبلوغها عتبة العشرة آلاف، يتكشف بوضوح أنّ الدول والعلاقات الدولية وجملة المصالح والمجالات لا يمكن أن تُدار بالعقلية نفسها التي حكمت المراحل السابقة، الأمر الذي يتطلب قرارات مستندة إلى دراسات حقلية ومعرفية جديدة. وتعاظم دور الدول وطبيعة تطوّر حجم الشركات ووزنها باتت تفرض مستوى من الدراسة والبحث لا ينفع معه إيكال الأمور لـ "القائد الملهم" و"الزعيم الموهوب" وفريقه، مهما بلغت براعتهم وكفاءاتهم.

وعليه، فمن المؤكد أنّ الغرب بات أكثر إدراكاً أنّ جملة الأوضاع باتت تتطلب أكثر من مئات الجامعات والمعاهد العلميّة، بل آلاف مراكز البحوث ومؤسسات البحث التي تشرف الدولة على كثير منها، بينما الباقي يتولاه المسؤولون السابقون والخبراء.

واللافت أنّ كلّ حدث مهما كان نوعه يطلق تيارات من التفكير، فإذا كانت الثنائية الصراعية قد أطلقت موجة من البحث، فإنّ الأحادية مقرونة مع العولمة المنفلتة من القيود والتحديات الحاضرة تثيران نقاشاً لا يقلّ عن سابقه، مع ما يرافقه من معالم التغيير الذي يطرأ على البلدان والشعوب وعلى الأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية والتقنية والأكاديمية والأمنية. وهو ما استدعى الحاجة إلى مزيد من المراكز البحثية لمواكبة متطلبات العولمة، لا سيّما بسبب تأثير النظام العالمي الجديد.

وبرز الاهتمام بإنشاء مراكز أبحاث لدى الدول الأخرى، فانتشرت مراكز تُعنى بالأبحاث التاريخية وأخرى بالأبحاث السياسية، ومراكز استراتيجية وأمنية واقتصادية، ومراكز أكاديمية ترتبط بالجامعات وغيرها.

*أستاذ جامعي

دلالات

المساهمون