تفشي الجريمة والقتل في الداخل الفلسطيني

تفشي الجريمة والقتل في الداخل الفلسطيني... وتقاعس عن ردع المجرمين

19 نوفمبر 2017
الشرطة الإسرائيلية لا تردع الإجرام ( الأناضول)
+ الخط -



يشهد المجتمع الفلسطيني بالداخل حالة مستشرية من العنف والجريمة، تتزايد باستمرار منذ أكثر من عقد، في حين تتقاعس الشرطة الإسرائيلية في لجم هذه الظاهرة وعقاب المجرمين.

ويعتبر العام الجاري الأكثر دموية وفق معطيات المركز العربي للمجتمع الآمن "أمان"، الذي أشار إلى أنه منذ مطلع 2017 حتى اليوم قتل 66 شخصاً من فلسطينيي الداخل بينهم عشر نساء، 35 بالمائة تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاماً، في حين أن 49 بالمائة من الضحايا بين سن 30 حتى 45 عاماً، أما نسبة 13 بالمائة تراوحت أعمارهم بين 45 حتى 60 عاماً، لافتاً إلى أنه منذ عام 2000 قتل 1240 شخصاً.

 

الهوية الفردية على حساب هوية الجماعة


ويقول مدير مركز "أمان"، المحامي رضا جابر، إن: "المجتمع العربي أقلية في إسرائيل، يتغير واقعه بتسارع بسبب الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي.. والتوتر الدائم مع الدولة يخلق فجوات وأسباباً لتفشي ظاهرتي العنف والفقر... يضاف إلى ذلك تردي الحياة الثقافية والاجتماعية على مدار السنوات. وهذه الأمور تحدث شقوقاً داخل المجتمع".

وأشار إلى أن "المجتمع القبلي تغير، القبيلة كان لها دور في الحفاظ على الأفراد. اليوم تغيرت الأمور سلباً وصارت معاكسة للسابق".

وعن مسببات ذلك، يقول جابر "تضعضع الهوية الجماعية السياسية لفلسطينيي الداخل العرب، على حساب بروز الهوية الفردية.. ما يعني أنك تستطيع في المجتمع العربي أن تكون انفرادياً ولا تتطور داخل المجموع، وتحيد نفسك عن المجموع كذلك".

ويضيف "طبعاً هناك أسباب سياسية لها علاقة بطرق فرض النظام داخل مجتمعنا، مع غياب الدولة ونظامها، لذلك نرصد ظواهر سلبية نتيجة التغيرات الاجتماعية، وتنكشف في المجتمع ظواهر الجريمة والعنف".

ويشير جابر إلى دور الدولة، معتبراً أنه "لو تتعامل الشرطة معنا كمجتمع ليس وفق نمطه القومي بل المدني، لتمكنت من السيطرة على تلك المجموعات التي استقوت على المجتمع العربي. مع العلم أن مجتمعنا حيّد نفسه من مواجهتها أيضاً".

ويرى أن التدهور بدأ منذ أكتوبر/تشرين الأول عام 2000 في كل ما يتعلق بقضية الجريمة والعنف وأعاده إلى ما بعد الانتفاضتين الأولى والثانية، بعد أن قطنت أعداد كبيرة من عملاء الضفة في قرانا، وأحدثوا تلك الظواهر بصورة أو بأخرى. وكانوا عاملاً إضافياً في زعزعة الاستقرار نوعاً ما في البلدات العربية، وكانوا عاملاً مسرعاً في انفلات الجريمة".


استفحال الجريمة مع غياب الردع والعقاب

وعن دور الشرطة وتقاعسها، تقول النائب حنين زعبي، عن حزب التجمع الوطني الديموقراطي: "تدل الفجوة بين المعطيات الخاصة باليهود وتلك الخاصة بالعرب من جهة، والفجوة بين معطيات الإجرام بين العرب في الداخل، وتلك في العالم العربي وباقي الوطن الفلسطيني، أنّ الأمر لا ينحصر بالعوامل الثقافية، ولا حتى في التضييق والقمع السياسيين (التضييق والقمع في غزة أكبر بكثير، ونسبة الجريمة هناك أكثر انخفاضاً)، ما يشير إلى أنّ السبب الرئيسي في ازدياد الجريمة هو في عامل الردع، أي أن السبب الحقيقي وراء هذه المعطيات المذهلة ليس أسباب الجريمة، بقدر ما هي أسباب عدم حلّها".

وتجد الزعبي أن عدم القبض على المجرم وتطبيق العقاب والردع، يشجع على استفحال الجريمة، إذ تكون الشرطة بذلك ترسل إلى "المجرم" رسالة مفادها أنها لن تقبض عليه، كما أنها تبعث بذلك رسائل لعصابات الجريمة، أنها تحميهم.

وتتابع "نحن نعلم من الأبحاث النظرية والعينية، أن نسبة القبض على المجرمين، تعتبر الرادع الأول للمجرمين، وهو عامل يضبط الإجرام ويسيطر عليه بفعالية أسرع من تأثير العوامل التربوية والأخلاقية والاجتماعية البعيدة المدى، التي لا نقلل من أهميتها بالطبع".

وتوضح أن تراخي الشرطة مع الجرائم، تبدأ بعدم الجدية في البحث عن الأدلة، وبإطلاق سراح المشتبه بهم بعد تحقيق قصير وغير جدٍ، وبالقبض على مرتكب الجريمة دون التقصي عن عصابات الجريمة التي تحرك المجرمين والقبض عليها، وبالقبض على المشتبه بهم دون ضبط السلاح وتقفي أثره، ودون جمع الأسلحة غير المرخصة والتي يبلغ عددها 320 ألف قطعة سلاح، أي ما يعادل قطعتي سلاح في كل بيت عربي.

وتشير الزعبي إلى أن "لدى الشرطة "علاقات عمل" مباشرة بينها وبين عصابات الجريمة التي يعمل عناصرها مخبرين لدى الشرطة (مخبرين حول النشاط السياسي للشباب)، مقابل إطلاق الشرطة يدهم لكي يعبثوا بأرواح الشباب الفلسطيني".



العنف ضد النساء مخفٍ باستثناء القتل

وعن النساء اللواتي يقعن بين المطرقة والسندان، تحدثنا مديرة المركز النسوي "كيان"، رفاه عنبتاوي بالقول: "موضوع العنف في مجتمعنا عموماً في ازدياد وكذلك الظواهر السلبية الأخرى. جزء منها ناتج عن الأجواء داخل البيوت والجزء الآخر سببه الجو العام في البلاد، التي تتأثر بالأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، إلى جانب فقدان القيادة الحكيمة والسليمة".

وتعتبر أن ما يميز العنف ضد النساء بأنه مختبئ وغير ظاهر، وإن النساء المقموعات والمستضعفات يجري التعامل معهن بعنف، والإنسان المقموع والمقهور يرد بقمع غيره، فالسلطة والهيمنة الذكورية تفرض على النساء لأنهن الفريسة السهلة.

وتؤكد أن العنف ضد النساء مستتر، ولا نعرف عما يحدث يومياً معهن، إلا بحالات قليلة، خصوصاً في حالات القتل، لأن القتل مرئي ومكشوف ويصعب إخفاؤه. على عكس التحرش الجنسي والعنف الكلامي والجسدي والترهيب الذي يحصل يومياً تجاه النساء، الذي تواجهه النساء بالصمت، تصمت عن أمور كثيرة غير راضية عنها علّها تحمي نفسها من عنف أكبر، أو حتى من القتل المباشر.


ملاجئ للنساء العربيات غير كافية

من جهتها، تقول سهير دقسة، وهي ناشطة نسوية من جمعية النساء ضد العنف: " لا يوجد جهات شرعية في المجتمع وجهات مختصة في علاج العنف مثل الخدمات الاجتماعية، يمكن للمرأة أن تلجأ إليها أو تستعين بها. هناك نقص في العمال الاجتماعيين المؤهلين، الذين لديهم خبرة في علاج قضايا العنف"، لافتة إلى "النقص في المراكز العلاجية في الدولة عموماً، إذ يوجد 14 ملجأ لحماية النساء المعنفات، واثنان للنساء العربيات، مع العلم أن 42 بالمائة من النساء المعنفات اللواتي يحتمين بالملاجئ هن من العربيات".

وتضيف "نتيجة لانتشار الجريمة والعنف في المجتمع العربي، وانتشار السلاح، أصبح التوجه لعصابات الإجرام لحل خلاف بين رجل وزوجته أو عائلة وابنتها. لذلك هناك نساء موجودات في ملاجئ تسبب عصابات الإجرام خطورة على حياتهن".