مفارقات في الإحصاءات

مفارقات في الإحصاءات

15 نوفمبر 2017
أحد مراكز الأبحاث (جان بيار كلاتوت/ فرانس برس)
+ الخط -
أشرنا سابقاً إلى التقرير الذي يصدره برنامج العلاقات الدولية في جامعة بنسلفانيا الأميركية، وهو برنامج يعتمد في تصنيف المراكز على 28 مؤشراً. ويتم التعداد والتقييم بناءً على المنطقة الجغرافية (قارات ومناطق) والبرامج العلمية التي يتولاها القيّمون على المراكز وقدراتها على مواكبة التطورات التكنولوجية والفنية، وما تملكه من قدرات تواصلية مع المراكز المشابهة والجامعات ومجالات العمل. والأهم مدى التأثير الذي تتمتع به في مضمار السياسات العامة على الصعد المحلية (سياسياً وقطاعياً) أو الاقليمية والدولية حتى.

ما أوردناه قبلاً كانت أرقام العام 2013، وقد تكون في معظمها باتت غير دقيقة بالنظر إلى عامل التطور وتأثير الأحداث بوجهيها السلبي والإيجابي، وكذلك بالنظر إلى غياب الجهة المرجعية المعيارية التي تعمل على التأكد من الحصر العلمي لعدد المراكز، وللأداء الذي تتولاه المراكز في مجالات العمل المحددة.

لكن إحصاءات تقرير جامعة بنسلفانيا الأميركية عن العام 2016 بالمقارنة مع إحصاء العام 2013 تكشف عن أكثر من وقائع ومفارقات تتطلب التوقف عندها. فقد طرأ تطور ملفت في الجانب الكمي يعبر عن جوانب سياسية واستراتيجية في توجهات عدد من دول المنطقة ورؤيتها لدور المراكز التي تتبع لها أو تديرها. فقد ارتفع عدد ما تملكه إيران من مراكز من 34 مركزاً إلى 59، ما يعني أنها حققت قفزة بالإشارة إلى ما كانت عليه، وتبعاً لذلك باتت تحتل المرتبة الأولى في القائمة على صعيد المنطقة، تليها إسرائيل التي وصل تعداد مراكزها إلى 58، بينما هبط العدد في مصر إلى 35 مركزاً. وهو ما يمكن تفسير أسبابه بالعلاقة مع الحملة المعروفة على المراكز التي تحصل على تمويل من جهات دولية.

لكن مثل هذا الرقم الذي يتحدث عن المراكز في إيران يمكن مضاعفته لدى احتساب المراكز الممولة إيرانياً في عدد من الدول العربية والغربية حتى. أيضاً هناك مفارقات في الأرقام الواردة في التقرير السنوي عربياً، ففي العام 2016 أشار التقرير إلى أن المغرب العربي يضم 46 مركزاً بحثياً بينها 18 في تونس، بينما لا تملك الجزائر وليبيا سوى 11 مركزاً فقط، ويتبقى 17 مركزاً للمغرب. ومن المفارقات الملفتة في هذا التقرير أن المملكة العربية السعودية مثلاً بإمكاناتها المالية الهائلة تملك عدداً موازياً من المراكز لدولة مثل الصومال تعاني من تشرذم وفقر يصل حدود المجاعات التي تحصد الأرواح.

لكن ما لا يتوقف عنده التقرير هو معرفة حقيقة ما يجري وسط الحرائق المندلعة في أنحاء المنطقة العربية، إذ لا يعتمد المقارنة بين ما كانت عليه المراكز وأعداد الباحثين في الدول التي تشهد اضطرابات سياسية وأمنية وتدهوراً اقتصادياً، ويقدم تبعاً لذلك تحليلاً للعوامل المقررة في تقدم أو تراجع عدد المراكز من الناحية الكمية فقط إن لم يكن من المتيسر قراءة وتقويم النوعية. والواضح أن أياً من الجهات لا تملك إحصاءً دقيقاً حول أعداد المراكز المتبقية في كل من العراق وسورية واليمن وليبيا، خصوصاً وأن ما تؤكده الوقائع كافة هو تراجع العدد وهجرة الباحثين المصنفين نحو الدول الغربية والعربية إلى حد ما، المستقرة سياسياً وأمنياً خلاف الأوضاع في دولهم، إذ شملتهم قوافل اللاجئين.

(أستاذ جامعي)

المساهمون