رفح الجديدة... مدينة مصرية على الورق

رفح الجديدة... مدينة مصرية على الورق

12 نوفمبر 2017
... وتنتظر الوفاء بالوعود (العربي الجديد)
+ الخط -

ما زالت السلطات المصرية تصرّ على وعودها القائلة بمدينة جديدة في رفح، لهؤلاء الذين هُجّروا من منازلهم. في المقابل، ما زال المواطنون يشككون بتلك الوعود، فالأيام تمرّ ولم يُنفَّذ شيء بعد.

تزامناً مع انطلاق المرحلة الرابعة من المنطقة العازلة بين قطاع غزة وسيناء، عاد إلى الواجهة الحديث عن بناء مدينة "رفح الجديدة" للسكان الذين تهجّروا من منازلهم الواقعة في المنطقة على مدار العامَين الماضيَين. لكنّ تلك المدينة ما زالت حبراً على ورق مذ أعلن عنها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في نهاية عام 2015.

ومع بدء مجلس مدينة رفح في حصر المنازل الواقعة في إطار المرحلة الرابعة من المنطقة العازلة، خرج محافظ شمال سيناء اللواء عبد الفتاح حرحور ليؤكد، في تصريحات صحافية، أنّه يُصار حالياً تنفيذ مشروع مدينة رفح الجديدة وإقامتها بأحدث طراز معماري يناسب سكان رفح بهدف إعادة إسكانهم. وأضاف حرحور أنّ المرحلتَين الأوليين بدأتا بالفعل، وهما التخطيط العام للمدينة وإنشاء الأساسات، في حين استلمت شركات عدّة معنيّة المواقع وتستعدّ لإنشاء البنى الأساسية والخدمات. وأشار إلى أنّ تعليمات القيادة السياسية تقتضي إنشاء المدينة في أسرع وقت.

والمدينة الجديدة بحسب حرحور تشمل 626 مبنى سكنياً مع إجمالي 10 آلاف وحدة سكنية، مساحة كلّ واحدة منها 120 متراً مربعاً، إلى جانب 400 منزل بدوي، ونقاط خدمات مركزية وفرعية تتضمّن محلات تجارية وحضانات ومدارس.

ما سبق ليس كلاماً إعلامياً جديداً، إنّما كشف لتفاصيل المدينة الجديدة عبر وسائل الإعلام في أكثر من محفل. يُذكر أنّ السيسي وخلال مؤتمر الشباب الذي عُقد في إبريل/ نيسان الماضي في مدينة الإسماعيلية، أعلن أنّ تأخير البدء في بناء المدينة جاء على خلفية الأوضاع الأمنية والتهديدات الموجّهة إلى المقاولين.

والدولة المصرية، بحسب ما رصدته "العربي الجديد"، تعيد نشر الأخبار المتعلقة ببناء المدينة الجديدة كمسكّنات مؤقتة للمواطنين الذين تهدف إلى تهجيرهم من منازلهم. وهذا ما جرى خلال المراحل الثلاث الأولى من المنطقة العازلة. ففي المرحلتَين الأولى والثانية أتى الحديث من أعلى مستوى في الدولة، وفي المرحلة الثالثة على لسان أحد نواب سيناء في مجلس الشعب المصري، إذ نشر صوراً قال إنّها للمدينة الجديدة.

وفي كلّ مرّة يُصار الحديث عن المدينة الجديدة، يتناقل أهالي سيناء الأخبار بشيء من السخرية والتكذيب المباشر، إذ هم اعتادوا السماع عن تلك المدينة من دون أن يروا أيّ إنجاز على أرض الواقع. وهو الأمر الذي يذكّرهم بالحديث عن التنمية في سيناء على مدى سنوات طويلة، في حين يزداد الوضع الاقتصادي والإنساني والأمني سوءاً مع مرور الأيام.



تجدر الإشارة إلى أنّه يجري تدمير آخر مجموعة من منازل المرحلة الثالثة في حيّ الإمام علي والأحراش، في حين من المتوقع انتقال العمل خلال الأسبوع المقبل إلى المرحلة الرابعة في حيَّي الصفا وابني بيتك، لتصبح المسافة الفارغة بين قطاع غزّة وما تبقّى من رفح المصرية 2200 متر، وفق ما يوضح مصدر مسؤول في مجلس مدينة رفح لـ"العربي الجديد".

تعليقاً على ذلك، يقول شيخ قبلي تحفّظ عن ذكر هويته، لـ"العربي الجديد"، إنّ "كذبة مدينة رفح الجديدة تُضاف إلى سجلّ طويل من الوعود التي هي عبارة عن أوهام تقدّمها الدولة المصرية للمواطنين في سيناء. والعقل والمنطق وما نراه في الواقع، كل ذلك لا يتطابق مع الحديث عن تحسين وضع سكّان سيناء ورفح على وجه الخصوص". ويسأل: "لو كانت الدولة المصرية تنوي إسكان المواطنين المهجّرين من رفح في إطار المنطقة العازلة في مدينة جديدة، لماذا تعمد إلى تعويضهم عن منازلهم؟". ويلفت إلى أنّ التعويضات "قليلة وهي لا تأتي مساوية لحقوق المواطنين، إذا افترضنا أنّهم سوف يتسلمون وحدات سكنية جديدة. وما يجري في ملف رفح والمنطقة العازلة لا يسمّى إلا فنكوش جديد في سيناء".

يضيف الشيخ القبلي نفسه أنّه "لا داعي في الأصل إلى تهجير ما تبقى من مدينة رفح في ظلّ المستجدات على الحدود بين النظام المصري وحركة حماس، وكذلك عودة السلطة الفلسطينية لتسلّم زمام السيطرة في قطاع غزة، لكنّ الرغبة في تحويل المنطقة المتاخمة للحدود إلى منطقة فارغة ما زالت قائمة لدى صنّاع القرار في القاهرة". ويتابع أنّه "من باب أولى إذا كانت الدولة مهتمة بشؤون المهجّرين من رفح، أن تتّجه إلى تحسين المبالغ المالية المقدّمة كتعويضات للمهجّرين من منازلهم بعد تدميرها من قبل الجيش المصري، حتى يتسنّى لهؤلاء بناء منازل جديدة في مناطق أخرى كالعريش وبئر العبد وغيرهما من المناطق التي اضطروا إلى الهروب إليها".

ويشكو مهجّرون خلال المرحلتَين الثالثة والرابعة من أنّ التعويضات التي تُصرَف لهم تساوي ما جرى صرفه خلال المرحلتَين الأولى والثانية، في حين لم تأخذ الدولة في الحسبان قضيّة تعويم الجنيه وارتفاع أسعار مواد البناء، خصوصاً الحديد اللازم لبناء منازلهم من جديد. ويقول سعيد أبو النور وهو أحد المهجّرين في المرحلة الثالثة: "نحن لا ننتظر المدينة الجديدة لمعرفتنا المسبقة بأنّها مجرّد أكاذيب إعلامية، لذلك فإنّ مطلبنا هو تحسين التعويضات". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "ما نراه هو أنّ الدولة ماضية في مشروعها لإزالة مدينة رفح بشكل كامل، من دون الاهتمام بأضرار ذلك علينا كمواطنين وعليها كدولة".