مركز وأطراف

مركز وأطراف

10 أكتوبر 2017
الأمر لك (عن فليكر)
+ الخط -
ككثير من الأمور من حولنا، فإنّ السعي إلى التفرّد وبناء الشخصية الخاصة أصعب بكثير من التقليد والتمثل بشخص ما، خصوصاً عندما تكون شخصية ذلك المثال متفردة وطاغية.

من جهتها، تسمح ظروف متكاملة يتداخل فيها الاجتماعي - التربوي والثقافي والسلوكي والاقتصادي في تكوين شخصية ذلك "المميز" الذي يقلّده آخرون ويقتدون به ويتمثلون ويحاولون أن يصبحوا نسخاً عنه. وكحال كلّ شيء في هذا الكون الخاضع للنسبية، فـ"المميز" بالنسبة لفئة ما ليس أكثر من "عادي" بالنسبة إلى غيرها من الفئات.

في المقلب الآخر، ومن جهة المريدين، فإنّ الشباب، خصوصاً في السنوات المدرسية الأخيرة والسنوات الجامعية، يشهدون على هذا الوضع تماماً حين يجتمعون معاً وتطغى شخصية أحدهم على الآخرين - ولو لم يدركوا ذلك في حينه.

غالباً ما تكون الشخصية الطاغية تلك تتوافق مع القيم الاستهلاكية الشائعة جداً في مجتمعات السوق، والمنقولة عبر الإعلام المرئي: هو جميل (أي يشبه الفنانين والرياضيين)، وهو ناجح (أي مثل تلك الشخصية الشهيرة أو في الاتجاه إليها)، وهو مكتمل الرجولة / الأنوثة (يستحق أن يشارك في مسابقة جمال)... مع ذلك هو يفعل كلّ شيء بجهد قليل وتجده متوفراً دائماً في المناسبات الترفيهية على أنواعها.

هو ليس النموذج الوحيد، فعلى هامشه تنشأ نماذج مهيمنة أخرى، منها ما يعادي بالكامل تلك الثقافة التلفزيونية ويجمع حوله مريدين من نوع آخر، ممّن اختاروا بأنفسهم المعاداة تمثلاً به، أو تعرضوا لعزل دفعهم إلى نموذج مهيمن مختلف انقادوا له بطبيعة صعوبة التميز الشخصي المذكورة.

هل صادفت طاولة ما يتوسطها شخص ما ينظر إليه الجميع ويستمعون إليه بعيونهم وآذانهم؟ ذلك الشخص هو المثال، وهو النموذج، وهو المركز، أما بقية الجالسين على الطاولة فهم أطراف. هو أشبه ما يكون بالعاصمة المركزية أما هم فضواحيها وأريافها. منطق واحد يحكم الجميع: مركز وأطراف. مركز مهيمن بطبيعته الخاصة وبطبيعة المهيمن عليهم وبالتغذية الراجعة عليه منهم كلّما تنفس حتى، وأطراف ينقادون انقياداً إليه ويسعون بكلّ ما فيهم للتمثل به... وحتى إن كانت الغاية النهائية الحلول محلّه فنموذج المركز لا يتغير بتغير الأشخاص.

لكن، بينما يقع كثيرون منا في دائرة التقليد والانقياد، قد ينفعنا أن نوسع الأفق قليلاً ونختبر إذا ما كنّا منقادين فعلاً إلى نموذج ما، لعلّنا عندها - أقول لعلّنا - نكتشف أنّ لنا شخصيتنا "المميزة" أيضاً. ولعلّنا نختار، إذا ما اكتشفنا ذلك فعلاً، هل نريد "أتباعاً" يتمثلون بنا ونمعن في قولبتهم في هذا الاتجاه، أم نكتفي بتميّز بعيد عن الهيمنة؟

المساهمون