لاجئون سوريون vs الصورة النمطية

لاجئون سوريون vs الصورة النمطية

06 أكتوبر 2017
اندمج السوريون في المجتمعات المضيفة (شون غالوب/ Getty)
+ الخط -
يواجه اللاجئون السوريون في حياتهم اليومية مواقف طريفة وأخرى صعبة تفرضها الصور النمطية التي يحملها جزء من المجتمعات المضيفة عنهم وعن العرب عموماً

صور نمطية عدة تحملها المجتمعات المضيفة عن اللاجئين السوريين منها ما يولّد أحكاماً مسبقة تمس حياة اللاجئين وتؤثر بشكل أو بآخر على مصيرهم. في هذا الإطار تحدثت "العربي الجديد" إلى عدد من السوريين اللاجئين في دول مختلفة واستطلعت تجاربهم مع الصور النمطية التي يحملها بعضٌ عنهم.

بالرغم من الترحيب والمعاملة الجيدة التي حظي بها خالد كنعان من قبل معظم الفرنسيين الذين التقاهم منذ وصوله إلى فرنسا عام 2014 وحصوله على حق اللجوء فيها، إلاّ أنّ هذا لم يمنع من معاناته مع زوجته وطفلته من الأحكام المسبقة التي يرسمها بعضهم عن الغرباء. يروي خالد: "حصل هذا قبل حوالى سنة حين اضطررت إلى تغيير مكان سكني من أجل العمل، وبدأت البحث عن مسكن جديد، ولأنّ لغتي الفرنسية كانت متواضعة حينها، ساعدتني إحدى صديقاتي الفرنسيات في عملية البحث والترجمة. وفي إحدى المرات كان صاحب البيت موافقاً على تأجيره لكنّه رفض بشكل قاطع حين علم أنّي سوري، بالرغم من محاولات صديقتي لإقناعه بالأمر. كنت حينها أتنقل بين الفنادق وفي حاجة ماسة لاستئجار منزل. لم أفهم سبب رفضه في البداية، إذ كنت أحمل جميع الأوراق المطلوبة، ألحّيت على صديقتي الفرنسية أن تشرح لي ما دار من حديث بينهما، فأخبرتني أنّه يظن أنّي لن أحافظ على المنزل، ويعتقد أنّنا نذبح الحيوانات في المطبخ قبل أن نأكلها".

شارك السوريون والأتراك في تظاهرات عديدة معاً (مصطفى عزير/ فرانس برس) 


يضيف: "صدمت حين سمعت ذلك، وعلمت أنّه لا يعرف شيئاً عن سورية، وأنّ لديه هذه الصورة عن العرب جميعاً. من حسن الحظ أنّ معظم من التقيت بهم لم يكونوا كذلك وأنّي وجدت منزلاً في اليوم التالي. لا أعرف من أين أتت هذه الصورة إلى رأسه، لكنّي متأكد أنّ من واجبنا كسوريين في الخارج أن نرسم الصورة المناسبة عنا، أكثر من التذمر مما يظنه الناس، فحتى أنا كان لدي كثير من الصور النمطية عن المجتمعات الغربية التي اكتشفت أنّها زائفة تماماً".

تعيش لمى (25 عاماً) وهي شابة سورية تدرس في جامعة إسطنبول، مع فتاة تركية بعمر مقارب في مدينة إسطنبول. بحكم المعيشة المشتركة مع زميلتها التركية وعائلتها، واجهت لمى عدداً من المواقف المبنية على الأحكام المسبقة. تقول: "خلال الفترة الأولى كانت علاقتنا جيدة جداً، لكنّ تواصلنا لم يكن كبيراً لأنّنا كنا نتكلم بالإنكليزية. وبالرغم من أنّي طالبة واعتمد كلياً على مبلغ محدود يرسله لي والدي كانت صديقتي هظل تستدين مني مراراً، ولم أكن أرد لها طلبها كونها كانت تفي بالدين كلّ مرة. في إحدى المرات احتجت إلى مال وطلبت منها فأبدت تعجبها من الأمر، وقالت: أنتِ تحتاجين مالاً؟ اكتشفت بعدها أنّها كانت تظنني غنية جداً، وكذلك كانت عائلتها تظن". تضيف: "قالت لي يومها إنّ جميع العرب الذين يأتون إلى إسطنبول أغنياء، وكانت العائلة تفسر طبعنا الكريم بأنه ثراء، مع أنّي كنت أفقر منها فعلياً. قالت لي: لكنّك تشترين كميات وافرة من الطعام للبيت، وتحملين هاتفاً ذكياً. لم يخطر في بالها أنّ هذا الهاتف صار عائلتي التي اضطررت للانفصال عنها بسبب الحرب".





بعد ثلاثة أعوام من وصولها إلى ألمانيا استطاعت هدى جمعة الاندماج في المجتمع الألماني والعمل مسؤولة تسويق في شركة محلية للمنتجات الغذائية في العاصمة برلين. تروي هدى: "يتطلب عملي السفر بين المدن الألمانية للقاء شركاء الشركة في المدن الأخرى. في كلّ مرّة أعرّف عن نفسي أنّي سورية يتفاجأ الألمان. يبدو أنّ الصورة النمطية التي يحملها بعضهم عن السوريين لا تسمح لهم بتخيل امرأة سورية تتكلم الألمانية بطلاقة وتشغل منصباً جيداً، ولأنّ أدب التعامل لا يسمح لهم بطرح الكثير من الأسئلة كان لدي فضول كبير لمعرفة ما يظنّه بعضهم عنا".

تضيف: "قال لي زميلي مثلاً إنّه حين يسمع بكلمة سوري يتخيل شخصاً متعباً حزيناً بثياب متسخة أو امرأة تحتضن طفلها خائفة. شرحت له أنّي، كنت كذلك خلال رحلة وصولي إلى أوروبا عبر الغابات، وقلت له: لك أن تتخيل أنّ كلّ هؤلاء يمكن أن يكونوا مثلي اليوم". تتابع: "في حادثة أخرى كنت أتحدث عن زوجي ففاجأتني إحدى زميلاتي بالسؤال إذا ما كان متزوجاً من أخريات. واعترفت لي أخرى أنّها لم تكن لتظن أنّ في إمكان لاجئة أن تحمل شهادة عليا وأن تصبح يوماً مديرتها في العمل".

يوضح المتخصص في علم الاجتماع، حكيم أبو الزين، أنّ "الصور النمطية المتعلقة بالجنسية السورية مثلاً، تأتي من وسائل الإعلام، بشكل أساسي، ويدعمها جهل الناس بسورية قبل الحرب، خصوصاً أنّ سورية لم تكن من البلدان السياحية القوية على مستوى العالم، والسوريون لا يسافرون كثيراً، إلى أن جاءت الحرب والمأساة الإنسانية لترسم ملامح سورية في عقول الناس. ففي حالة هدى هناك من ربط صورتها المسبقة بالجهل بالمرأة تحديداً وهو أيضاً ما يعود لوسائل الإعلام، لكن باعتقادي فإنّ هذا النوع من الصور النمطية بالرغم من أنّه قد يسبب العناء لبعضهم، فما زال غير راسخ، ويمكن للسوريين تغييره مع اندماجهم في المجتمعات الجديدة".

يتابع: "الصور النمطية إحدى الآفات الاجتماعية التي تعاني منها معظم المجتمعات اليوم. نميل كبشر لربط الجنس أو العرق أو الجنسية بصفات أخرى، نلتقطها من خلال التلفزيون أو الأسرة أو الإنترنت أو المدرسة أو التجارب الشخصية. حين نرى تقريراً مراراً عن المجاعة في أفريقياً مثلاً، نميل إلى وضع كلّ الأفارقة في سلة الفقر، مع أنّ أحداً لم يقل لنا ذلك".

يضيف أبو الزين: "لا يخلو أيّ مجتمع في العالم اليوم من الأحكام المسبقة عن الآخرين. الأهم هو أن نكون واعين للصور السلبية وألاّ نسمح لها بالتأثير على تعاملنا مع غيرنا أو التأثير في حياتهم. في الواقع كلّ منا مسؤول اليوم عن انتشار صور سلبية مرتبطة بعرق أو جنس من دون أن يدري، ففي الوقت الذي أشارك فيه صورة على وسائل التواصل تسم المرأة بأنّها لا تجيد القيادة، يشارك آخر صورة تسم الإسلام بالإرهاب، وهكذا".

المساهمون