أطفال الإنترنت... جيل سرقته التكنولوجيا والهواتف الذكية

أطفال الإنترنت... جيل سرقته التكنولوجيا والهواتف الذكية

01 نوفمبر 2017
عالمهما الجديد (شانغ سان - جان/ Getty)
+ الخط -
يرتبط جيل اليوم بشبكة الإنترنت والتكنولوجيا بشكل وثيق. أما الألعاب التي لطالما استمتعنا بها في طفولتنا، فلم تعد ذات أهمية في العصر الحديث. في هذا السياق، التقت "العربي الجديد" مجموعة من الأطفال تتراوح أعمارهم ما بين ست سنوات و18 سنة، للحديث عن أسباب تعلّقهم بهذا العالم، ورغبتهم في التقاط صور ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى مدى إدراك الأهل لفوائد وخطورة التكنولوجيا. ويظهر الباحثون حرصاً على دراسة تأثيرات الإنترنت على سلوكيات الأطفال الاجتماعية وصحتهم النفسية.

وتشير دراسات إلى لجوء البعض إلى نشر صور إباحية على الإنترنت، وارتفاع نسبة مغتصبي الأطفال من جراء استخدام بعض المواقع، وغيرها. وتقول يارا (16 سنة)، لـ"العربي الجديد": "ما من خطر في حال أدركت كيفية استخدام التطبيقات"، مشيرة إلى أنّها تستخدم سناب شات في الدرجة الأولى ثم إنستاغرام. وتوضح أنها تفضل سناب شات كونه أكثر سهولة للتواصل، كما أنّها تحصل على "ستريك" (عبارة عن إيموجي) كلّما تواصلت أكثر مع أصدقائها. وعادة ما لا تضيف أشخاصاً غرباء. كذلك، لا تستخدم تطبيق "واتساب" إلّا للتواصل مع والدتها أو أحد أفراد العائلة، ولا تملك حساباً على "فيسبوك" أو "تويتر".

أما داني (16 سنة)، فقد عانت من الاكتئاب بسبب إعجابها الشديد بزين مالك، في فرقة "وان دايركشن". تقول إنّها كانت ترسل له مئات الرسائل يومياً عبر "تويتر"، أملاً في الحصول على رد، واستمرّت على هذا المنوال لسنوات. اليوم، تضحك حين تتذكر الأمر، وكيف كانت تبكي بشدّة أحياناً بسبب خيبة أملها، "كانت مرحلة أشبه بالإدمان، وهذا ما أكرهه في الهواتف المحمولة، لأنني أمضي كل دقيقة فراغ في النظر إلى هاتفي، خصوصاً إنستاغرام وسناب شات. تحاول والدتي منعي من استخدامه، وترى أنّه السبب في أوجاع رأسي، وضعف نظري، وتراجع درجاتي في المدرسة. لكنني أعجز عن إيجاد أي نشاط آخر يجذبني".

بدوره، يقول جون (16 سنة)، إنّ إنستاغرام يساعده على إيجاد عمل، وهو الذي يسعى إلى تأمين دخل ولو بسيط أثناء فترة الدراسة. يضيف أنّ جيله بعيد عن فيسبوك، ربّما لأنّه أقدم من المواقع الجديدة، وهو وغيره يرغبون في متابعة كل ما هو حديث ومعاصر. يخشى التلاعب بالصور من خلال الفوتوشوب، لافتاً إلى أن هذا الأمر قد يسبب الأذى للآخرين.
أمّا آدم (6 سنوات)، فيقول إنه يرغب في الحصول على هاتفه الخاص، كي يتصل بأصدقائه ويلعب المزيد من الألعاب المسلية.

إلى ذلك، تقول الاستشارية النفسية في لندن، ناديا الخضيري، إنّ الهوس بالهواتف المحمولة هو مرحلة نمرّ بها، كما حدث مع ظهور التلفاز في خمسينيات القرن الماضي، حيث كان الجميع يشاهدونه. لكن لسوء الحظ، هذه الهواتف غير صحية بالنسبة لأطفالنا، لأنّها تمنعهم من الاختلاط بالآخرين واللعب. كذلك، تؤدي إلى قلة الحركة البدنية والتواصل الاجتماعي، وهدر أوقات الفراغ التي تعد فرصة للإبداع. وعن تأثير المواقع الإلكترونية على صحّة الأطفال الذهنية وسلوكياتهم الاجتماعية، تقول إنّ أطفال اليوم لديهم مهارات اجتماعية ضعيفة، كما أنّ معظمهم يكسبون الوزن بسبب قلة الحركة، عدا عن عزلتهم في غرفهم، وفقدانهم لغة التواصل والتعبير عمّا يشعرون به.

تضيف الخضيري أن بعض الأطفال يتحوّلون إلى أشخاص عدوانيين نتيجة الانعزال، ولا يبالون حين يلحقون الأذى بالآخرين. هنا، لا بد من تدخل طبي لعلاجهم قبل أن تتطور حالتهم، مشيرة إلى أنها عالجت عدداً من التلاميذ الذين فُصلوا من مدارسهم بسبب سلوكهم السيّئ.
وحدها سارة (8 سنوات)، من بين الذين تحدّثت إليهم "العربي الجديد"، بدت غير آبهة بعالم التكنولوجيا. تقول إنّها تمضي وقتها في اللعب في حديقة المنزل، وتعشق ألعاب الباربي. كذلك، ترتدي لباس أميرات القصص الخيالية مثل سندريللا. أما شقيقتها نهاد (10 سنوات)، فتبدي تعلقاً كبيراً بالإنترنت، لافتة إلى أنها حصلت منذ فترة على هاتفها الخاص. عادة ما ترفض نهاد اللعب مع شقيقتها، وتفضّل ألعاب الفيديو. لكن رغم صغر سنّها، تخشى التعرّض لانتقادات عنصرية أو دينية، ولا تحب نشر صورها على أي موقع، وتبرّر ذلك بأنّها غير معجبة بذاتها. وتؤكّد والدتها حرصها الشديد على معرفة كل ما تفعله ابنتها على الإنترنت، بسبب ما يتضمنه الإنترنت من مخاطر قد تؤثّر على شخصيّتها في المستقبل.

في المدرسة (دامين مايير/ فرانس برس) 


تانيا (18 سنة)، تقول إنّها لا تترك الهاتف من يدها سوى للضرورة، أي حين تكون في الكلية أو العمل. تستخدم تطبيق "واتساب"، وترى أنّها تستطيع معرفة أخبار العالم عبر إنستاغرام. تدرك مخاطر التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، وقد فتح أحدهم حساباً مزيفاً باسمها، وهو ما أساء إليها، لكنّها تمكّنت من اكتشاف صاحب الحساب الذي كان تلميذاً في مدرستها، وقد فصل.

أما جوزيف (16 سنة)، فلا يجد أي متعة في سناب شات أو إنستاغرام، وقلّما يدخل إلى مواقع التواصل الاجتماعي. كذلك، يفضّل لعب كرة القدم أو مشاهدة برامج كوميدية على يوتيوب، ولا يحب نشر صور له، لأنّه لا يرغب في أن يعرف الناس ما الذي يقوم به. ولا يمضي أكثر من ساعتين يومياً على هذه المواقع. أما مريم (12 سنة)، فتقول إنّها تستمع إلى الموسيقى على يوتيوب كما تتحدّث إلى أصدقائها على سناب شات وإنستاغرام ولكن لساعات معدودة. تضيف أنّ ما لا تحبّه هو تلك الإعلانات التي تظهر على الشاشة فجأة.



في المقابل، تبدو فرح (10 سنوات)، فخورة بنشر فيديوهاتها الخاصّة من خلال لعبة "بيبي دولز" على سناب شات، لافتة إلى إنّها تعجب الكثير من الناس، كونها تحوّل هذه الدمى إلى فتيات يتحدّثن من خلال تبديل أصواتهن. تحلم فرح بأن تصبح نجمة مشهورة في المستقبل، إلا أنّها تؤكّد أنّها لا تمضي أكثر من ساعتين من الوقت على الإنترنت. أما والدتها، التي تحرص على مراقبتها، فتقول إن ابنتها فتاة خلّاقة قادرة على ابتكار أمور جديدة، وتقول إنّها تتواصل معها بشكل دائم لتعرف ما الذي يدور في رأسها.

يتقن استخدامه (آدم بيري/ getty) 


من جهتها، تقول خديجة (32 سنة)، وهي أم لثلاثة أطفال تراوح أعمارهم ما بين سنتين وست سنوات، إنّها تشعر بالذنب حين تتركهم من دون أن أي نشاطات بديلة، ما يضطرهم إلى مشاهدة الفيديوهات أو الأفلام. لذلك، تحرص على إشغالهم بالأعمال اليدوية، أو تشجعهم على اللعب في الخارج. تقول إنها قد تسمح لابنتها بامتلاك هاتف محمول حين تبلغ الثامنة من عمرها حتى تطمئن عليها. لكنّها ترفض دخولها إلى وسائل التواصل الاجتماعي في هذا السن المبكر.

وتعلّق الخضيري: "نستطيع القول إنّ أطفال اليوم ربّما يكونون أكثر ذكاء، لكن من دون مهارات اجتماعية. يجهلون كيف يختلطون أو يناقشون، ولا يفكّرون بالآخرين، حتى أنّهم على وشك فقدان مشاعر التعاطف والقدرة على الشعور بمن حولهم. وتُكتسب هذه المشاعر بشكل رئيسي عن طريق التفاعل والتعرّف على سلوكيات وتفكير وأحاسيس الناس". تضيف: "طلاب الجامعات اليوم يفتقدون مهارات التواصل، وذلك نتيجة ما حدث في طفولتهم".

يبقى دور الأهل أساسياً في توجيه أطفالهم. ويمكنهم التفكير في الأمر كما لو أنهم يتعاملون مع طفل يعاني من الوزن الزائد. وتوضح الخضيري أنّه كلّما سلطنا الضوء على القضية، كلما وجد الطفل صعوبة أكبر في خسارة وزنه. لذلك، من الأفضل أن يسعى الأهل إلى إدخال نشاطات جديدة وبديلة، ثمّ الطلب من أطفالهم الابتعاد عن هواتفهم المحمولة. هذا مهم للغاية، ويجب أن يسأل الأهل أنفسهم عن الدور الذي يقومون به في هذه الحالة. هناك أهالي يعطون الهاتف لأطفالهم لإشغالهم بأي شيء، لكن ينبغي التفكير بما قد ينتج عن الأمر في مرحلة مبكرة من العمر. وبدلاً من أن نطلب منهم التوقف عن اللعب بهواتفهم، من الأفضل أن نحثّهم على القيام بأنشطة مختلفة. وفي حال وجدوها مملّة أو غير ممتعة، يكمن دورنا في توجيههم ودفعهم إلى تجربة ألعاب جديدة.