مدرّسون معوقون في تركيا

مدرّسون معوقون في تركيا

29 أكتوبر 2017
مدرسة في تركيا (ياكوب كابوك/ الأناضول)
+ الخط -
تعمل الحكومة التركية على تغطية النقص في حصة الأشخاص المعوقين في الوظائف الحكومية، وعيّنت خلال العام الحالي 1500 مدرّس معوّق. وبحسب التعديلات التي طرأت على القانون التركي في عام 2008، تبلغ نسبة الوظائف المخصّصة للأشخاص المعوقين في شركة تضم أكثر من خمسين موظفاً 3 في المائة، وترتفع إلى 4 في المائة في المؤسسات التابعة للدولة.

لكنّ من أصل مليونين و99 ألفاً و838 موظفاً حكومياً تركياً، يوجد 40 ألفاً و656 موظفاً معوّقاً. وبعد نجاحهم في امتحان الحصول على وظيفة في مؤسسات الدولة، عينت وزارة التعليم التركية 1500 مدرس معوق، وطُلب منهم إحضار تقارير طبية، وهو ما لم يكن سهلاً بالنسبة لأولئك الذين يعانون من إعاقة بصرية، خصوصاً وأن عدداً من اللجان الطبية في المستشفيات الحكومية رفضت منحهم تقارير طبية تؤكد قدرتهم على العمل كمدرسين. علي، وهو أحد هؤلاء، والذي تخرج من كلية التعليم في جامعة إسطنبول في عام 2015، يؤكد أنه لم يكن ليحصل على تقرير طبي لولا تدخّل مديرية التعليم. يضيف: "ذهبت إلى اللجنة الطبية في أحد مستشفيات الدولة في مدينة أوشاك (غرب) المخوّلة منح التقاير الطبية. وسألني الطبيب: كيف ستتتمكن من التدريس وأنت لا تبصر؟. أخبرته عن وجود كتب مخصصة للمكفوفين عدا عن تطوّر التكنولوجيا. ثم تساءلت اللجنة حول قدرتي على قراءة الامتحانات وتصحيحها. وبعد انتهاء المقابلة مع اللجنة الطبية، أخبرني أحد الموظفين بأن اللجنة لن تمنحني التقرير لأنها غير مقتنعة بقدرتي على التعليم. توجهت إلى مديرية التعليم، وأخبرني أحد الموظفين بتعييني بعد تجاوزي امتحان اختيار المعلمين، وأوضح أن الهدف من التقرير الطبي تقييم الحالة النفسية. وبعد تدخل مديرية التعليم، حصلت على التقرير".



يرى علي أنّ المشكلة لا تكمن في كيفيّة التعامل مع المعوقين، مؤكداً أن معركته هي إقناع كل من يلتقيه بقدرته على العيش بشكل طبيعي. ويرى أن كسر الأحكام المسبقة في المجتمع أمرٌ صعب للغاية، مضيفاً: "خضت امتحانات القبول في الجامعة كأي شخص آخر، وتمكنت من تجاوز الامتحانات وأنجزت الأوراق البحثيّة التي كان يتوجب علي تقديمها، وتخرجت بمعدل جيد جداً، وحصلت على وظيفة، لكنني حتى الآن أجاهد لإقناع المحيطين بقدرتي على العمل كمعلم".

ويُطالب علي الوزارة تحديد ما تريده من التقرير الصحي، والحكومة بمزيد من الجهد والدعم لتغيير الصورة النمطيّة عن المعوق من شخص يبعث على الشفقة إلى شخص عادي ربّما يحتاج إلى مساعدة، لكنه قادر في معظم الحالات على العيش وحيداً مع ترتيبات مختلفة".
معظم المدرّسين الذين اختارتهم الوزارة عيّنوا في قسم تعليم اللغة التركية، وقدّر عددهم بـ 239 مدرّس لغة تركية. وعين 145 مدرس في قسم العلوم الاجتماعية، و115 في قسم التاريخ، وآخرين في الرياضيات والتربية البدنية والفيزياء والكيمياء والعلوم الحيوية والجغرافيا وغيرها.

بدوره، يؤكّد مرت، خريج كليّة التعليم في قسم اللغة التركية في جامعة إسطنبول، والذي يعاني من إعاقة بصرية، أنه واجه صعوبات كثيرة للحصول على التقرير الطبي الذي طلبته الوزارة لتعيينه، حتى أنه اضطر للذهاب إلى مدينة أخرى للحصول على التقرير.
يقول: "قبل أن أتقدّم للحصول على تعيين في وزارة التربية، كت أعمل كمعلم متعاقد. ذهبتُ إلى مستشفى للحصول على تقرير طبي، ورفضت اللجنة منحي تقريراً". ويتحدّث عن الأحكام المسبقة لدى الناس حول المعوقين، قائلاً: "حتّى في اللجان الطبيّة المؤلفة من أطباء، كان الأمر كارثياً، ولم يخطر في بالهم سؤالي عمّا قد يعيقني من ممارسة عملي. لأنّني لا أرى، يعتقدون أنّني غير قادر على التفكير السليم والمحاججة المنطقية والتواصل مع الآخرين".

يتابع مرت: "المعوّق لا يسمع خلال حياته عبارة: أنت تستطيع. معظم الوقت، هناك تشكيك في قدراته على فعل أي شيء، وهذا مؤلم. حتّى أنّ بعض أولياء أمور التلاميذ الذين يعانون من إعاقة بصرية، وقد علمتهم، كانوا يشكّكون في قدراتي على التعليم، لكنّني أثبتّ العكس. في الجامعة، كانوا يقولون لي إنني لن أتمكن من تعلّم العثمانية والفارسية، لكنّني فعلت ودرّست هاتين المادتين. في المرحلة الثانوية، كان يقول لي المدير إنه ليس علي الذهاب إلى الجامعة لأنّني لن أتمكّن من العيش في مدينة كبيرة، لكنني أثبتّ العكس. وحالياً، أحضّر رسالة الماجستير في اللغة التركية".

إلى ذلك، تؤكّد مروى إرتان، وهي عضوة مؤسسة في جمعيّة "المعوّقين بصريّاً في التعليم" أنه وصلتها شكاوى من عدد من الولايات، على رأسها كل من العاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول. تضيف: "المشكلة أنّ الوزارة لا تحدّد نوعية التقرير الطبي الذي تريده بالنسبة للمعوّقين، حتى أن بعض المجموعات الناشطة على وسائل التواصل الاجتماعي بدأت تنشر أسماء المستشفيات التي تمنح التقارير الطبية". وتوضح أنه "في وزارة التعليم حالياً نحو ألف مدرس معوق بصرياً. لكن في حال استمر الأمر على ما هو عليه، فإن العدد لن يزيد، وبالتالي قد تصير أوضاع المعوقين أكثر سوءاً، خصوصاً أن وظائف الدولة تعدّ أحد أهم المنافذ للانخراط في الحياة بالنسبة للمعوقين عموماً".