العنف يطاول نصف أطفال تونس

العنف يطاول نصف أطفال تونس

23 أكتوبر 2017
الوقاية هي الأهمّ (العربي الجديد)
+ الخط -
"أخذ زوجي طفلنا يوسف الذي لم يتجاوز عامه الأول بين يديه ورماه أرضاً لأنّ بكاءه أزعجه... لم يتحرك ابني، لم يصرخ، ولم يبكِ لكني استمعت إلى ارتطام قوي بالأرض عندما كنت في المطبخ أعد العشاء. كان ذلك تحديداً يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، وما زال صدى صوت الارتطام يطنّ في أذني. حملت يوسف وأسرعت به إلى المستشفى، وكان رأسه منتفخاً وعيناه متورمتين وملامحه بالكاد تظهر. استمعت إلى نبضات قلبه، وانتظرت أن يستيقظ ويناديني مجدداً: ماما، لكنّه لم يستيقظ ومات بمجرد وصوله إلى المستشفى بسبب نزيف حاد في الدماغ".

بهذه العبارات تتحدث شادية، من منطقة زعفران بالقيروان، وسط تونس، عن ملابسات وفاة طفلها الوحيد يوسف، مضيفة لـ"العربي الجديد"، أنّ زوجها لم يعبّر عن ندمه بالرغم من قتله رضيعه، فقد اعتاد تعنيفه ورفض دائماً حمله بين ذراعيه.

لا تعتبر قصة الرضيع يوسف الذي توفي نتيجة العنف الأسري غريبة في تونس، فطفل من اثنين يعنّف داخل أسرته في البلاد، بحسب معز الشريف، رئيس "الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الطفل"، التي تأسست في نوفمبر/ تشرين الثاني2011 للدفاع عن الأطفال المضطهدين وتوفير المساعدات لهم.

يؤكد رئيس الجمعية لـ"العربي الجديد"، أنّ أحد الأطباء اتصل به، يوم الأربعاء 11 أكتوبر الجاري، ليعلمه أنّ عائلة من الجنوب التونسي قطعت 500 كلم لعلاج رضيعها الذي لم يتعدّ شهرين ونصف، وقد كان يعاني من تورم في الرقبة، وكسر في الجمجمة ونزيف في الدماغ، وأنّ أسرته ادعت أنّه سقط. يضيف أنّ الحادثة غير عادية بالنظر إلى طول المسافة التي قطعتها الأسرة. ويوضح الشريف أنّ الأسرة التي يُفترض بها توفير الحماية للأطفال، باتت مصدراً للعنف. ويتابع أنّ الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها عائلات تونسية كثيرة ضاعفت من الاعتداءات التي تمارس على الأطفال.

يعتبر الشريف أنّ العنف لا يكون دائماً جسدياً، فهناك عنف نفسي، وآخر لفظي، مبيناً أننا "مجتمع عنيف بطبعه وهو ما يظهر من خلال الدعاء على الأطفال، وشتمهم، فهذا السلوك يكاد يكون عادياً في الأسرة التونسية، وحتى في الوسط التربوي. يضاف إلى ذلك العنف الجسدي من خلال الضرب والقرص والحرق".

يتابع أنّ الدراسة التي أجرتها وزارة التنمية والتعاون الدولي بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) التي تعود إلى العام 2013 (الوحيدة المتوفرة حالياً)، بينت أنّ أكثر أطفال تونس يتعرضون إلى أشكال متعددة من العنف، منها العنف المعنوي، والجسدي، والعمل الإجباري، والاستغلال الجنسي.

يؤكد المندوب العام لحماية الطفولة، التابع لوزارة المرأة والأسرة والطفولة، مهيار حمادي، لـ"العربي الجديد"، أنّ الأطفال عرضة أكثر للعنف اللفظي والمادي، وهو عنف يمارس داخل العائلات المتوازنة، وتزداد حدته في الأسر التي تعيش تفككاً. ويبيّن أنّ تونس شهدت في العامين الأخيرين ردود فعل قاسية وشنيعة ضد الأطفال، نجم عن بعضها الموت والإعاقة.
ويستعرض المندوب العام قصة الأب التونسي الذي حرم في 28 سبتمبر/ أيلول الماضي ابنته من الطعام بعد طلاقه من زوجته وزواجه من أخرى، ما أدى الى وفاة ابنته. وفي 18 يوليو/ تموز 2017، عمد أب في القصرين، وسط غرب تونس، إلى إلقاء أطفاله الثلاثة (8 سنوات وسنتين ورضيع) في بئر بسبب خلافات مع زوجته.



وبحسب حمادي، وصلت إليهم، يوم الخميس 12 أكتوبر الجاري، طفلة (14 عاماً) تعاني من سوء التغذية والإهمال الشديدين، وطفل لم يتجاوز سبع سنوات عمد والده إلى حرق أصابع قدميه لأنه لم يستيقظ فجراً للصلاة، مشيراً إلى أنّ الحرق يطاول أيضاً الأعضاء التناسلية للفتيات، وهي عقوبة تستخدمها بعض الأمهات. يتابع أنّ الدولة التونسية تتعهد بالطفل المعنّف أو الذي تعرض الى تهديد، لتؤويه في مكان خاص لفترة قصيرة أو طويلة.

من جهته، يعتبر المتخصص النفسي الدكتور عماد الرقيق، أنّ التوتر والاكتئاب، ونقص المال لدى الأسرة، والإدمان، عوامل تؤدي إلى العنف ضد الأطفال، كما أنّ العنف بين الزوجين قد يطاول الأبناء. يضيف الرقيق لـ"العربي الجديد"، أنّ ضعف الوعي، والفهم الخاطئ للمسؤولية، ينجم عنهما العنف، مبيناً أنّ عدة أمراض خطيرة تنتج عن العنف المسلط على الأطفال، وأنّ أثر الأزمات النفسية قد يبقى عدة أعوام.

في المقابل، يقول مدير التنشيط التربوي والاجتماعي والترفيهي في الإدارة العامة للطفولة بوزارة المرأة والأسرة والطفولة، لطفي البرعزي، لـ"العربي الجديد"، إنّه بالرغم من حالات العنف فهي حالات معزولة ومحدودة مقارنة بدول أخرى، مبيناً مع ذلك ضرورة إيلائها العناية اللازمة. يضيف البرعزي أنّ وزارة المرأة تعمل على سياسة مندمجة لحماية الطفولة من خلال الجانب التشريعي، والإجرائي، وتنمية قدرات المتدخلين في حماية الطفولة خصوصاً مندوبي حماية الطفولة، إلى جانب التنسيق مع قضاة الأسرة. ويشدد على أنّ الجانب الوقائي يبقى الأهم لحماية الطفل وتنمية قدراته وتوعية أولياء الأمور ليتمكنوا من توفير الإطار المناسب لحماية أطفالهم من أي عنف.